انفرد الكاتب والفنان الشعبي عبد القادر بن دعماش بالغوص في حياة أيقونة أغنية الشعبي اعمر الزاهي عبر كتاب يعد بمثابة بورتري مفصل، رسم من خلاله صورة رائعة لفنان استثنائي ارتبط اسمه بالفن الأصيل والنظيف وسيبقى دائما حيا في قلوب عشاقه.
يعود الكاتب في هذا المؤلف المعنون بـ “الشيخ اعمر الزاهي رائد الجيل الجديد لأغنية الشعبي” الصادر عن منشورات المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية (ايناغ) إلى أهم المحطات التي ميزت مسار هذا الفنان الموهوب الذي استطاع بتواضعه وبساطته وحبه للناس أن يكسب مكانة استثنائية فنيا وفي قلوب الناس، وصرح الكاتب خلال حفل بيع بالتوقيع في الطبعة الـ 25 من معرض الجزائر الدولي للكتاب، أن هذا الحب الذي حظي به الزاهي في حياته وما عرفته جنازته من حضور قياسي هو الذي حرك رغبته في انجاز هذا الكتاب.
وبرهن صاحب المؤلف بناء على شهادات الفنانين الكبار والعارفين بهذا الفن العريق، أن اعمر الزاهي يعد ظاهرة في وسط الأغنية الشعبية التي أعطاها بعدا جماليا وروحانيا في الأداء والتفاعل مع الأشعار كما في التواصل مع المتلقي.
وقد أبهر هذا الصوت الشاب جيلا من المعجبين في أواخر الستينيات حسب بن دعماش الذي أكد أن الزاهي قام وهو في عنفوان شبابه بإحداث تغيير في ساحة الطرب الشعبي وساير هذا التنوع رغبات الشباب آنذاك.
واستشهد في ذلك بما قاله كاتب الكلمات والملحن محبوب سفر باتي عن هذا التغيير الذي مكن الفنان من تلبية متطلبات الجيل الجديد المحب لهذا اللون الغنائي، وقد تمكن هذا الشاب بصوته الجميل وطريقة أدائه المميزة من الاستحواذ على قلوبهم بأغانٍ ناجحة مثل “ديك الشمعة” و”يا العذراء” وغيرها.
يجد متصفح هذا الكتاب الذي يقترب في طريقة تصميمه من الكتاب الفاخر، نبذة عن شخصية هذا الفنان الأسطوري وخصاله في مقدمتها تواضعه المعهود ومقته لكل أنواع الفخر والبهرجة. ويقول بن دعماش في هذا الصدد إن الزاهي فنان متواضع وزاهد وضع حياته وطريقة عيشه في خدمة فنه وهو أيقونة فريدة من نوعها، إذ استطاع بإنسانيته أن يكسب قلوب الجماهير التي لقبته بـ “عميمر” وذلك تعبيرا عن حبهم لهذا “الشيخ” الذي تنازل عن كل الألقاب ليكون فقط واحدا منهم.
واستطاع بفضل عطائه الفني وعبقريته رفع مستوى هذا اللون الشعبي إلى أفق أعلى أو على الأقل مختلفة كما أكد المؤلف وهو أيضا مغني شعبي.
وتناول بن دعماش في أربعة فصول حياة ومسار الفنان وظهور ميوله للغناء وخطواته الأولى مع عالم الطرب والموسيقى، كما تطرق لعلاقاته مع فنانين تركوا بصماتهم في سجل هذا اللون الغنائي في مقدمتهم بوجمعة العنقيس وكاتب الأغاني والملحن محبوب سفر باتي. كما أشار إلى عشق هذا الفنان لآلة الماندول منذ الصغر وأيضا لتفتحه على كل الأنواع الموسيقية من شرقية وغربية المشهورة في تلك الفترة.
وتحدث أيضا عن أول ظهور للزاهي على الخشبة خلال مهرجان الأغنية الشعبية المخصص لاكتشاف المواهب الشابة وذلك في 1965، وشجعه تتويجه في هذه الفعالية الفنية، حسبه، على المضي في الغناء ليصبح لاحقا علامة فارقة في عالم الأغنية الشعبية، مشيرا إلى تفتحه على الموسيقى العالمية حيث كان يحسن العزف على عدة آلات.
وأشار الكاتب أيضا الى ابتعاد الفنان خلال مسيرته عن الساحة عدة مرات أولها في 1980 لمدة 7 سنوات ثم عاد في 1987 قبل أن ينسحب نهائيا ويكتفي بالظهور في الأفراح العائلية. واكتفى بعد ذلك بالعيش ببيته العائلي وكانت الموسيقى والشعر ملجأه، حيث كان “عميمر” مولعا بالشعر الملحون والمديح كما كان عاشقا للموسيقى الأندلسية وكان يدرج الانقلاب والانصراف وغيرها في أعماله وأعطى بذلك بعدا آخر للشعبي بمنحه مجال أوسع يعتمد على “الارتجال والغريزة”.
ويقترح الكتاب مجموعة من الشهادات لفنانين كبار مثل الشيخ الناموس ومحمد الباجي وكمال حمادي وعبد القادر شاعو وغيرهم، إلى جانب ألبوم للصور عن طفولة الزاهي وبعض أغلفة اسطواناته وصور عن جنازته التي كانت آخر و أجمل تكريم للراحل من قبل عشاقه من البسطاء الذين وجد وسطهم ضالته في كنف العفوية والحب.
وخصص المؤلف جزء كبيرا من الكتاب لقصائد الملحون التي غناها الزاهي، حيث دونها كاملة باللغة العربية حتى يتسنى للقراء الاطلاع والتمعن في هذا التراث الأدبي الغني.
وعرف الفقيد ببساطته وتواضعه وكرمه وعاش حياة الزهد وسط أصدقائه وجيرانه، توفي في 30 نوفمبر عام 2016 وأقيمت له جنازة كبيرة كانت بمثابة تكريم أخير من جمهوره لهذا الفنان المحبوب.
ب/ص