بمناسبة اليوم الوطني للصناعة التقليدية… حديث عن مشكلة المواد الأولية وعراقيل التسويق

بمناسبة اليوم الوطني للصناعة التقليدية… حديث عن مشكلة المواد الأولية وعراقيل التسويق

افتتحت، نهاية الأسبوع الماضي، بدار الصناعة التقليدية ببلدية أولاد يعيش بالبليدة، الطبعة الرابعة للمعرض الولائي للصناعات التقليدية والحرف بمشاركة 30 حرفيا وحرفية في مختلف المجالات.

وأوضح مدير الغرفة المحلية للصناعة التقليدية والحرف، سعدي آيت زروق لـ “وأج”، أن هيئته برمجت بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للحرفي المصادف لـ 9 نوفمبر من كل سنة عدة نشاطات من بينها تنظيم هذا المعرض الذي يجمع 30 حرفيا وحرفية من مختلف بلديات الولاية، لعرض مختلف المنتوجات التقليدية من بينها الحلي والألبسة التقليدية والمصنوعات الخشبية والنحاسية والشموع والصابون والخياطة والطرز والعجائن التقليدية.

وقال السيد آيت زروق إن هذه التظاهرة التي نظمت بالتنسيق مع مديرية السياحة والصناعة التقليدية، تتزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ 65 لاندلاع الثورة التحريرية، حيث سيتم في اليوم الأخير تكريم عدد من المجاهدين الذين كانوا يمارسون حرفا مختلفة كصناعة وإصلاح السلاح.

وتضمن المعرض مشاركة مختلف أجهزة التشغيل لتعريف الزائرين والحرفيين بمختلف الفرص المعروضة لتمويل المشاريع، يقول ذات المسؤول، مضيفا أنه سيتم تنظيم دورة تكوينية في استخلاص الزيوت النباتية والعطرية وتقطير الورود خلال هذا المعرض، حسب المتحدث.

وتجري هاته الدورة التي انطلقت السبت وستتواصل على مدى خمسة أيام بمشاركة 25 مشاركا من عدة ولايات من بينها الجزائر العاصمة وبسكرة والمدية وعين الدفلى والجلفة والبليدة، ويؤطرها خبراء وأساتذة في المجال، حيث يقدمون دروسا نظرية و تطبيقية في استخلاص الزيوت العطرية وتقطير الورود، حسب ذات المسؤول.

وأشار السيد آيت زروق إلى أن الغرفة اغتنمت فرصة موقع ولاية البليدة في سهل متيجة واشتهارها بالنباتات والورود خصوصا في جبال الشريعة ومنطقة حمام ملوان، لاقتراح موضوع الدورة الذي نال إقبال الحرفيين، لافتا إلى أن المتربصين سيتلقون أيضا تكوينا في كيفية إنشاء وتسيير مؤسسة مصغرة بالإضافة إلى مرافقة مختلف أجهزة التشغيل.

 

الحصول على محل وتسويق المنتوج حلم كل حرفي

من جهتهم، أكد الكثير من الحرفيين الذين شاركوا في هذا المعرض المتنوع للصناعة التقليدية أنهم يطمحون إلى توسيع مشاريعهم البسيطة، وذلك من خلال الحصول على محل، كما يتطلعون إلى تسويق منتجاتهم بسهولة في الأسواق، خصوصا وأن بيع منتجاتهم يقتصر على المواسم فقط.

وفي هذا الصدد، قالت قوزي آمال (47 سنة) حرفية في صناعة الحلويات والعجائن التقليدية إنها تمارس حرفتها منذ حوالي 27 سنة في بيتها، غير أن هذا الأمر يعرقلها وتحلم بتوسيع مشروعها في محلها الخاص بها لأن العمل بالبيت غير مريح ومزعج بالنسبة لعائلتها.

 

التسويق أبرز المشاكل

وذكرت السيدة قوزي أن الحرفيين يعانون من مشكل آخر يتمثل في تسويق المنتجات، مضيفة أنها تعمل خصوصا في المناسبات والمواسم كالأعياد وموسم الأعراس وتكاد تبقى باقي أيام السنة دون عمل، مناشدة السلطات المحلية تخصيص أسواق ثابتة للحرفيين لعرض وبيع منتجاتهم طيلة أيام السنة.

وبدورها قالت مقراني عواطف (24 سنة) حرفية في صناعة الشموع والديكور إنها تعمل مع زميلتها في البيت وتبيع منتجاتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن هذا الأمر -تضيف- متعب ويتطلب بذل مجهودات أكبر كتوصيل المنتوج لمنزل الزبون خصوصا وأنها تسعى لتوسيع مشروعها مستقبلا وفتح فضاء لعرض أعمالها.

وطالبت الآنسة مقراني بايلاء اهتمام أكبر للحرفيين من خلال تسليمهم محلات لصناعة المنتجات وتخزينها وفتح فضاءات تجارية لبيع سلعهم.

من جهته، قال رئيس فيديرالية الحرفيين والصناعات التقليدية في الجزائر، رضا يايسي “إن المشكل الأساسي الذي يواجه الحرفيين الجزائريين عمومًا والحرفيات خاصة يتمثل في غياب التسويق”، منتقدًا الاستراتيجية التي تعتمدها وزارة السياحة والصناعات التقليدية الجزائرية، ومؤكدًا: “الوزارة تنظم معارض بتكاليف باهضة، لا يبيع فيها الحرفي شيئًا، لأنها ببساطة توفر أيضًا منتجات أجنبية بأسعار منخفضة”.

 

التسويق المنزلي.. البديل الأحسن

غياب أسواق خاصة بالصناعات التقليدية وضعف تشجيع الدولة، لم يمنع المرأة الجزائرية من الإنتاج وممارسة حرفتها في مجال الطين والصوف والنحاس والجلود والحلويات والأغذية وغيرها من السلع التقليدية، معتمدة على ما يمكن تسميته التسويق المنزلي أساسًا. وتلجأ النساء عادة، إلى الوكالة الوطنية لدعم القرض المصغر، من أجل فتح مؤسسات مصغرة في البيت، للخياطة، وصناعة الحلويات والعجائن الغذائية كالكسكس.

ويحظى الحرفيون قانونيًا بحق المشاركة في مختلف النشاطات التي تنظمها غرف الصناعة التقليدية والحرف، كما يستفيدون من امتيازات في الضرائب والقروض البنكية والتموين، والتكوين ودعم الصندوق الوطني لترقية نشاطات الصناعات التقليدية فيما يتعلق بالتمويل الجزئي للتجهيزات والأدوات الصغيرة، إلا أن الحصول على هذه الحقوق يخضع للكثير من الإجراءات الإدارية المعقدة.

وحول هذا الموضوع تؤكد فايزة، التي تمتهن صناعة الجلود: “منذ أكثر من ثلاث سنوات وأنا أعاني مع الإجراءات الإدارية من أجل الحصول على دعم لاقتناء تجهيزات خاصة بدباغة الجلود، لأني تعبت من العمل اليدوي”.

 

المرأة تهيمن على الصناعات التقليدية

بسبب الإشكالات في مجال التسويق والمواد الأولية، انحصر العمل في قطاع الصناعات التقليدية على النساء تقريبًا لقدرتهن على التسويق المنزلي، بينما يتوجه الرجال إلى الحرف المرتبطة بمجال الخدمات والبناء. يوضح رئيس فيدرالية الحرفيين والصناعات التقليدية في الجزائر: “أطلقنا مشروعًا بالتعاون مع لجان الأحياء، يتمثل في إدماج الشباب الذين تركوا المدارس في مؤسسات التكوين المهني وتحويلهم إلى حرفيين، وقد لاحظنا التوجه القوي نحو الحرف في قطاع الخدمات”.

من جهتها، تقوم بعض الجمعيات التي تهتم بانشغالات الحرفيين، في مجال التموين والتسويق، بحملات تحسيسية من أجل جذب اهتمام الريفيات نحو العمل في مجال الحرف، وإقناع العائلات بإدماج البنات في الحرف اليدوية، التي تساعدهم على تحقيق ربح مادي. وذلك بالتعاون مع المؤسسات الناشطة في هذا المجال وعلى هذا الأساس يتم تسجيل الحرفي في سجل الصناعة التقليدية والحرف ويحصل على “شهادة” ليبدأ في ممارسة حرفته.

 

هل يقبل الجزائريون على الصناعات التقليدية

رغم كل محاولات إحياء الحرف التقليدية، يتوجه الجزائري خاصة إلى اقتناء المنتجات الأجنبية المستوردة وخاصة الصينية التي اجتاحت السوق الجزائرية، دون مراعاة لمخاطرها الصحية، ويهمل بذلك المنتوجات المحلية. يفسر البعض ذلك بابتعاد المجتمع عن كل ما هو تراث، في حين يرجعها البعض الآخر إلى غلاء أسعار المنتجات المحلية مقارنة بالمستوى المعيشي للجزائريين.

وهذا لا ينطبق على كل الولايات الجزائرية، إذ تعرف قرى “القبائل” باستخدامها للحلي التقليدية التي تنتجها نساؤها وبارتباطها بالفضة. وفي المدن الداخلية، يقبل الناس بكثرة على شراء الأواني الفخارية التي تصنعها النساء من الطين الأحمر الأملس ويستخدمنها في الطبخ. وفي المناطق الرعوية، أين تتوفر الجلود كمادة أولية للصناعة، لا يزال الناس يستخدمون المنتجات الجلدية التي تصنعها العائلات، مثل الأحذية والنعال والأحزمة وبعض الأجهزة المنزلية، مثل ما يسمى بـ “الڤـــربة” لوضع الماء و”المــــزود”، الذي يستعمل في حفظ الدقيق بالرغم من اختفائها نهائيًا في المدن الأخرى.

سعف النخيل.. صلب الصناعة التقليدية في الجنوب وفي الصحراء، حيث تنتشر التحف والسلع المصنوعة من سعف النخيل، يستخدم سكانها هذه المنتجات ويقبلون على شرائها في شكل زرابي وأدوات متنوعة، كما يسكنون الخيم المصنوعة من الجلود، التي تحترف صناعتها النساء في منطقة “الطوارق” خاصة.

ل. ب