يضبط الجزائريون حياتهم على حالة الطقس التي تؤثر عليهم بشكل مباشر، إذ وبمجرد تهاطل الأمطار تتوقف جل مشاريعهم وتتعطل أخرى لساعات كاملة، ويتخلف الكثيرون عن الالتحاق بمقرات عملهم ومؤسساتهم
التربوية وجل مشاغلهم بسبب الاختناق المروري، إذ عجزت مختلف المحاولات التي تبنتها مصالح ولاية العاصمة بإيعاز من الحكومة في التحكم في هذا الملف، فلم يعد يخفى على أحد جزائري كان أو زائر، أن أكبر مشكل تعاني منه عاصمة البلاد هو الضغط المسجل على الطرقات التي تحوي عشرات النقاط السوداء بشكل أثّر على معيشة سكانها والمارين عبر طرقاتها، كما أساء الأمر للسياحة بها وجل القطاعات الأخرى التي تقف مصدومة أمام الوضع الذي تشهده الطرقات ومحطات نقل المسافرين ونوعية المركبات التي تغزو هذه الطرقات وغيرها من المشاكل الأخرى.
لم يعد تدخل وزارتي النقل والأشغال العمومية وغيرها من القطاعات الوزارية المعنية لفك الخناق على العاصمة مجرد إجراء حكومي روتيني، بل أصبح ضرورة قصوى تستدعي تضافر الجهود وتبني المبادرات الكفيلة بتحرير الطرقات والرفع من مستوى الخدمات المقدمة في هذا الإطار والمرتبطة أساسا بها، وأضحى لزاما على هذه السلطات التخلص من الكابوس الذي جثم على المواطنين وأفقدهم متعة التنقل في العاصمة التي بالكاد يستمتع الوافد إليها، أما قاطنوها فقد حكم عليهم بتحمل الانسداد والاختناق المروري المتواصل، مع خدمات كارثية في النقل ابتداء بنوعية المركبات وصولا إلى مواقف الحافلات وغيرها من المشاكل التي لم تعد تطاق خاصة عند تساقط الأمطار، حيث يتدخل عامل إضافي لتعقيد مسألة تنقلاتهم إلى وجهاتهم المختلفة خاصة على مستوى النقاط السوداء المنتشرة في شبكة الطرقات والبالغة 200 نقطة.
معارك يومية تدار على طرقات العاصمة
تحولت طرقات العاصمة في السنوات القليلة الأخيرة إلى مسارح لمختلف أنواع الصراعات، بسبب الضغط المفروض على السائقين الذين يجدون أنفسهم في مواجهة طوابير طويلة عريضة تمتد إلى الكيلومترات، في وقت يفرض عليهم بلوغ وجهاتهم المختلفة في ظرف زمني أقل بكثير مما يستطيعون تحقيقه في حربهم اليومية مع غيرهم من السائقين أو محاولاتهم لتجاوز تداعيات تدهور الأحوال الجوية ومختلف العوائق التي يصطدمون بها في طرقات أغلبها لم تحترم فيها المقاييس الدولية المعمول بها عند تشييدها، ورغم الجهود التي بذلتها السلطات إلا أن مشاكل بالجملة يعانيها هؤلاء، ما يفرض عليها المسارعة إلى إعادة النظر في مخطط السير وتشجيع النقل الجماعي، إضافة إلى تمديد خطوط الترامواي والميترو على الجهات التي تعرف نقصا في النقل، وفي هذا الإطار عملت لجنة النقل بالمجلس الشعبي الولائي على رفع تقرير مفصل عن الاقتراحات والتوصيات الواجب تنفيذها للقضاء على هذا المشكل وغيره والتي تحول دون تمكن العاصمي من التمتع بفضاءات النقل المتوفرة، حيث تطرقت إلى تداعيات ظاهرة الابتزاز التي يعتمدها الشباب المنحرف في أغلب الشوارع والأسواق الشعبية والمراكز التجارية والتي تحولت في السنوات الأخيرة إلى ملكيات خاصة في ظل غياب رقابة الدولة، وكذا وضعية النقل العمومي الذي سجلت فيه عدة نقائص من بينها غياب أماكن ركن الحافلات بسبب ضيق المكان وزيادة عدد اتجاهاتها، بالإضافة إلى غياب الواقيات والمقاعد وانعدام الأرصفة التي تضمن سلامة المسافرين، وغياب لافتات توجيهية ومراحيض عمومية، ما حوّل العديد من المحطات إلى أماكن تنبعث منها روائح كريهة ولا تصلح لأن تكون محطات ينتظر فيها المسافرون الحافلات للتنقل إلى وجهاتهم، أما فيما يخص الحافلات القديمة التي ما تزال تجوب شوارع العاصمة، وتجاوز معظمها العشرين سنة، تنعدم فيها أدنى شروط النظافة والراحة وتؤثر سلبا على سلامة المسافرين، بسبب تهور بعض السائقين أثناء القيادة، حيث يقومون بمناورات وتجاوزات خطيرة، غير آخذين بعين الاعتبار حياة الركاب، إضافة إلى النقص الفادح في حظائر السيارات على مستوى إقليم العاصمة الذي زاد من حدة هذه الظاهرة، إذ يضطر أصحاب السيارات إلى قضاء ساعات في الطرق والشوارع بحثا عن مكان للركن من أجل قضاء حاجياتهم.
مئات الآلاف من المركبات المتجولة تولد الانسداد بالعاصمة
بلغت العاصمة حد التشبع والتخمة بعد التزايد الملفت لعدد المركبات الوافدة على شبكة طرقاتها التي أصبحت لا تستوعب الكم الهائل منها، خاصة وأن أكثر من 300 ألف مركبة تتداول عليها يوميا، مسببة اختناقا في حركة المرور عبر الشوارع، وحالة انسداد تستمر لساعات قبل أن تفرج وقد تعطل الجميع عن مواعيدهم، حيث أصبح المشكل هاجسا لدى مستعملي الطرقات بالجزائر الذين شددوا على ضرورة التدخل العاجل من طرف المصالح المعنية على غرار وزارة النقل ومديرية النقل لولاية الجزائر لاتخاذ تدابير جدية للقضاء عليها، خاصة بعد التقرير الأخير الذي حررته لجنة النقل بالمجلس الشعبي الولائي، الذي يشير إلى مجمل المشاكل التي تواجههم في سبيل إعادة السيرورة الحركية إلى كل طرقاتها ومحطاتها مع التعجيل في اطلاق مخطط المرور الذي ستشرف عليه المؤسسة الإسبانية بالتنسيق مع مصالح ولاية العاصمة، حيث انطلقت في دراسة خطة العمل من أجل الشروع في تطبيقها على الطرقات السريعة، خاصة الطرقات الرئيسية للعاصمة لتزويد مفترقات الطرق بتقنية الأضواء الثلاثية وكذا إنشاء مركز ضبط حركة المرور الذي سيكون ببلدية القبة.
نظام ذكي خلاص العاصمة لفك الاختناق
يرتقب العاصميون بفارغ الصبر جني ثمار المشروع المسير من طرف المؤسسة المختلطة الجزائرية – الإسبانية الخاص بتنظيم حركة المرور والذي أرسيت قواعده الأولى على أرض الواقع، والذي يقوم بالاستعانة بالإشارات الضوئية لتنظيم حركة المرور بالاستغناء عن عناصر أمن الطرقات لتنظيم حركة المرور وتفادي الازدحام لاسيما في وقت الذروة، حيث أن تنظيم تسيير حركة المرور عن طريق الإشارات الضوئية عبارة عن نظام شامل سيمس كمرحلة أولى 200 مفترق للطرق ليشمل فيما بعد 500 مفترق للطرق بالولاية وذلك تسهيلا لحركة المرور، إذ أشار المدير العام للمركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرقات، أحمد نايت الحسين، في تصريحات سابقة إلى أن المشروع خصصت له ميزانية قدرت بـ 15 مليار دينار جزائري، وتولت الشركة الجزائرية – الإسبانية المسماة “حركية وإنارة بالجزائر العاصمة” التي أنشئت طبقا للاتفاقية الموقعة شهر جويلية 2016 بين مؤسسة تسيير حركة المرور والنقل الحضري ومؤسسة صيانة الإنارة العمومية للجزائر العاصمة التابعتين لولاية الجزائر، وشركتين إسبانيتين مختصتين في أنظمة تسيير حركة المرور، تجسيد هذا المشروع على أرض الواقع، بمعية مشاريع أخرى بلغت العشرات على غرار الطرق الازدواجية وتوسيعها، وكذا إنجاز سبعة محاور طرقات على غرار بن عكنون، الدار البيضاء والرويبة بمبلغ 20 مليار دج تم تمويلها من طرف الولاية بنسبة 80 بالمائة والباقي ممول من قبل الوزارة الوصية.