خرج الطالب الشاب مالك أوسكين من أصول جزائرية من بيته كالمعتاد وسار في شوارع باريس. لم يكن يدري ما يدور حوله حين هجم عليه ثلاثة من أفراد الشرطة الفرنسية وأوسعوه ضربا حتى الموت. كان ذنبه الوحيد أنه قد مرّ في توقيت ومكان لا صلة له بهما، إذ لم يكن مشاركا في المظاهرات الضخمة التي انطلقت ضد نائب وزير التعليم العالي الفرنسي آنذاك عام 1986، لكنه دفع ثمنا فادحا وأصبح أحد أشهر رموزها.
وتتواطأ الحكومة والشرطة الفرنسيتان لعدم محاسبة رجال الشرطة الذين ارتكبوا جريمة قتل أوسكين وطالب آخر من أصول جزائرية، وتكافح عائلاتا الضحيتين من أجل العدالة وفهم ما حدث في فيلم “إخواننا” للمخرج رشيد بوشارب، والذي انطلق عرضه الأول في مهرجان كان السينمائي الدولي في فرنسا بدورته الـ57 هذا العام.
وينكأ بوشارب جرحا تاريخيا في فرنسا، ويدوّن بالكاميرا تاريخا اجتماعيا هاما يتعلق بحادث حقيقي وقع قبل أكثر من ثلاثة عقود بمشاركة ممثلين من أصول جزائرية مثل رضا كاتب وسمير قاسمي ولينا خوذري. ورغم أهمية ورمزية الحدث، فإن فيلم “إخواننا” هو أول تجسيد سينمائي له وبذلك استبق بوشارب منصة ديزني بلس التي أطلقت أيضا هذا الشهر مسلسلا من أربع حلقات بعنوان “أوسكين”، يتناول الشخصية ذاتها والأحداث التي مرت في هذه الفترة.
ويعد الفيلم والمسلسل حدثين كبيرين للفرنسيين، وتحديدا للمهاجرين من أصول عربية، لأن مالك أوسكين رمز من رموز الكفاح ضد العنصرية وعنف الشرطة في البلد. يكفي أن نعرف مثلا أن عائلة مالك وذكراه كانا حاضرين بقوة في التجمع الذي انطلق في ساحة الجمهورية بباريس في أعقاب الموجة العالمية ضد العنصرية قبل عامين في 2020 بعد مقتل الشاب الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد. وحينها كررت عائلته المطالبة بتحقيق العدالة له وباعتذار من الشرطة الفرنسية.
وبهذا الفيلم فإن بوشارب يلقي بحجر كبير في مياه الثقافة الفرنسية، وهو المخرج المعروف عنه التغريد خارج السرب وإثارة القضايا ذات الحساسيات التاريخية والاجتماعية. فقبل مشاركة هذا العام التي مثل بها فرنسا، كان قد شارك عام 2010 في المسابقة الرسمية في المهرجان بفيلم باسم الجزائر بعنوان “خارجون عن القانون”، الذي تدور أحداثه بين عامي 1945 و1962، ويتناول فترة حساسة من تاريخ استقلال الجزائر، ويعرض فيه مجزرة سطيف التي ارتكبتها فرنسا بحق الجزائريين الذين خرجوا في مظاهرة عام 1945. الفيلم أثار جدلا كبيرا وقتها في دورة مهرجان كان عام 2010، ونظمت الأحزاب اليمينية الفرنسية مظاهرة ضخمة أمام مقر المهرجان، مطالبة بوقف عرضه متهمة إياه بتحريف التاريخ.
ب/ص