يبدو للوهلة الأولى أن الشارع الجزائري هذه السنة قاطع، أو على الأقل، قل إقباله على مظاهر الاحتفال برأس السنة الميلادية، حيث قلت عروض أشجار الميلاد وأنواع الشكولاتة المختلفة وكذا الحلويات المعدة،
خصيصا لاحتفالات رأس السنة مثل “لابيش”. غير أن جولة بسيطة في بعض أحياء العاصمة تكشف أن عادة الجزائريين مع احتفالات رأس السنة لم تنقطع، ولكنها نقلت إلى أماكن خاصة مثل الفنادق والقاعات الخاصة.
تزامنا مع حلول السنة الجديدة 2019، شرع الكثير من الجزائريين في القيام بمختلف التحضيرات لاستقبال هذه المناسبة السعيدة في أحسن الظروف، هي صورة تكرر ذاتها في أوساط العائلات في مختلف أنحاء العاصمة، فرغم وجود الكثير ممن يمتنعون عن الإحتفال بالمناسبة، هناك من يجد لذة في قضاء السهرة مع أسرته في وقت يفضل الآخرون إفراغ شحناتهم مع الأصدقاء في الحفلات التي تبرمج خصيصا لهذا الموعد.
الفنادق وجهة الباحثين عن “الزهو”
سجلنا خلال جولتنا أن أغلب الجزائريين يتعاملون مع احتفالات رأس السنة، ليس من باب عقائدي أومدلول ديني، لكنهم يعتبرونها مناسبة للزهو والفرحة.. لذا فعادة الاحتفالات تجمع شلة الأصدقاء والرفاق في المطاعم والقاعات الخاصة، حتى الفنادق والحانات التي تسجل ليلة رأس السنة ارتفاع أسعار مختلف أنواع الخمور، خاصة في مطاعم وسط العاصمة. ففي إحدى حانات شارع ديدوش مراد، يؤكد أحد الزبائن الأوفياء لهذا المطعم أن طاولة لشخصين تصل تكلفتها ليلة رأس السنة إلى ثلاثة ملايين سنتيم، على أن يتم الحجز مسبقا بأيام.. وإلا لن تظفر بمكان.. وهي الطاولة التي كانت في الأيام العادية لا تكلف إلا مليون سنتيم. ويحتوي العشاء، حسب يحيى، على مقبلات وشواء ومشروبات، حيث يصل سعر زجاجة خمر إلى حدود ألفي دج، بعدما كانت في الأيام الأخرى في حدود ألف دج.. وقد يصل سعر زجاجة “ويسكي” إلى مليون سنتيم إذا كان من نوعية رفيعة، و”البيرة” تصل في ليلة رأس السنة إلى مائتي دج بعدما كانت في الأيام الأخرى لا تتجاوز مائة وعشرين دينارا فقط.. ويؤكد هذا الزبون أن القاعة الرئيسية تحتضن أكثر من 200 شخص في هذه الليلة، والحجز يتم مسبقا.
الفنادق تقدم تخفيضات
تغتنم الفنادق هذا اليوم لتقديم تخفيضات لزبائنها الراغبين في قضاء ليلة رأس السنة.. ففي فندق الأوراسي مثلا يقدم تخفيضات تصل إلى 50 في المائة لزبائنه، فطاولة شخصين مثلا التي كانت في الأيام العادية تكلف ثلاثين ألف دج تصل إلى ستة عشر ألف دج.. ويحدث أيضا في فنادق أخرى مثل فندق هيلتون الذي أعلن عبر صفحته في “الفايسبوك” عن تخصيص أسعار تنافسية لزبائنه الراغبين في قضاء ليلة رأس السنة، بتخفيضات قد تصل إلى 30 في المائة، وفندق شيراتون أيضا خصص سهرات متنوعة حسب الذوق والاختيار.. هناك سهرات في الخيمة وأخرى في نادي الفندق تقدم عشاء خاصا مرفوقا بسهرة صاخبة.
الأسواق الشعبية قبلة المواطن البسيط
تنقلنا عبر شوارع العاصمة، فمن سوق مارشي 12 ببلكور إلى سوق بومعطي بالحراش، شهدنا إقبالا كبيرا من الزبائن على شراء بعض لوازم الاحتفال، هو ما يشجع الباعة على اكتساح طول الأرصفة، فمن أنواع الشكولاطة إلى المكسرات والتراز بأسعار مرتفعة، نوعا ما، مقارنة بالسنة الفارطة. فالفول السوداني “الكاوكاو” بـ 30 دج لـ 100غرام، اللوز والجوز بـ 100 دج لـ 100 غرام، الشكولاطة من 100 دج إلى 600 دج فهذا مرتبط حسب الجودة، هذا علمناه من “جلال” أحد الباعة الذي أشار إلى أن هذه فرصة للربح، حيث أنه يعمل في مثل هذه المناسبات ويحقق أرباحا خيالية، زبائني متعودون علي نظرا لجودة السلعة التي أعرضها، وعن سؤالنا حول طريقة احتفاله، أكد لنا لتفادي الوقوع في الحرام كالمسكرات والممنوعات، “أفضل أن أقضيه مع رفاقي في الحي”.
أستبدل لابيش بالكيك
أما السيد حمدان الذي كان بصدد شراء بعض المكسرات بمارشي 12، فقال: “نحتفل برأس السنة الميلادية، فهو فعل رمزي اعتدنا عليه منذ سنوات، فنحن بحاجة إلى مناسبات كهذه تنسينا أقراحنا وهمومنا، فلا نقوم بهذا من باب الخروج عن الملة أو الانحراف إلى ديانات أخرى “أعوذ بالله” كما أحث على عدم شراء “لابيش”، ذلك أنها رمز لجذع الشجرة التي علق عليها سيدنا عيسى -عليه السلام- فنستبدلها بالكيك الذي غالبا ما تحضره زوجتي بالبيت.
احتفال برأس السنة “نزين الفال”
اقتربنا من الحاجة “يمينة” التي كانت جالسة رفقة حفيدتها “راشا” أمام محل بيع الدجاج، حيث صرحت: “تعودنا على الاحتفال بعام جديد فيه يلتقي أبنائي وأزواجهم وأحفادي في بيتي، فأقوم بطهي بعض الأطباق المعروفة والمتعود عليها في هذه المناسبات كالرشتة بالدجاج المحمر والفواكه، إضافة إلى مختلف أنواع المشروبات الغازية، دون الحديث عن سينية الشاي والقهوة والحلويات والمكسرات، فنحتفل برأس السنة الجديدة حتى نزين فالنا، أي استقبالها في أجواء سعيدة حتى نقضي عاما سعيدا أيضا”.
أموال باهضة من أجل ليلة واحدة
يوجد كثير من الشباب من يقع في تقليد أعمى للغرب الذي سيطر على عقولهم، حيث تعرف تلك الليلة تبذيرا لا مثيل له.
هذا ما استنتجناه من الحديث الذي ربطنا بنوال صاحبة الـ 20 سنة، حيث قالت: “كالسنة الفارطة حجزت مع رفيقاتي في فندق فخم الذي كلفنا 10000 دج”، مضيفة بابتسامة عريضة “ألي عندو كل يوم عيدو، فهيأت نفسي بشراء فستان بـ 15000 دج، كما أني سأذهب إلى الحلاقة لتصفيف شعري، فهذا الموعد فرصة للترويح عن النفس من خلال الرقص والغناء إلى غاية الساعات الأولى من الفجر دون تحكم”.
وللراغبين في تخليد الذكرى وجهتهم
تلقى هذه الرحلات إقبالا خاصا من قبل الأفراد الراغبين في قضاء آخر لحظات السنة في الصحراء. الخلاصة أن الاحتفال برأس السنة في الجزائر يختلف من طبقة إلى أخرى ويخضع إلى سلطة الجيب والمحفظة.. لأن إحياء رأس السنة صار عطلة شعبية في الجزائر، مثلها مثل أي دولة أخرى، ترافقها كل مظاهر الاحتفالات التي نراها في الدول الأخرى.. فجولة بسيطة في محلات وشوارع حيدرة وسيدي يحيى تكشف أن هناك أناسا يتعاركون من أجل الظفر بمكان لركن السيارة من أجل اقتناء حلوى عيد الميلاد أو ما يعرف بـ “لابيش”. كما أن دمية بابا نوال المتحركة بيعت بـ 6 ملايين في سيدي يحيى، مخابز شارع محمد الخامس أيضا تستقبل طلبات الزبائن أياما قبل نهاية السنة، وتصل الأسعار سقفا لا تعرفه في باقي أيام السنة، حيث يصل مثلا سعر قالب بسيط من الحلوى في إحدى مخابز شارع محمد الخامس إلى سبعمائة دج. وتؤكد صاحبة المخبزة أن الطلبات تصل إلى حدود كبيرة جدا، ما يضطرها رفقة طاقمها إلى العمل لساعات متأخرة في الأيام الأخيرة للسنة من أجل تلبية طلبات جميع الزبائن.
لا شيء يمنعهم من الإحتفال
كان الأئمة والخطباء قد خصصوا مواعظهم للنهي عن الإحتفال وكذا الزيادة الصارخة في الأسعار، لكن على ما يبدو لا شيء من هذا يجبر بعض الجزائريين على تغيير عاداتهم في إحياء رأس السنة، سواء كانوا من الطبقة الراقية التي تقصد الفنادق والقاعات الخاصة، حيث ترتفع أسعار بورصة نجوم الراي الذين يحيون هذا اليوم بالأغاني الراقصة والصاخبة أو من عامة الشعب الذين يكتفون بأزقة الأحياء الشعبية والأماكن المتواضعة.