يتساءل الكاتب والروائي الكبير أمين الزاوي بكثير من العفوية والمرارة: ما الذي بقي من منشورات بعد مرور سنوات على تظاهرات ثقافية شكّلت – على حد وصفه- عصب النشر الانتهازي في الجزائر، ومثلت موائد ولائم
لكثير من الكتاب، وهي: سنة الجزائر في فرنسا (2003) وسنة الجزائر عاصمة الثقافة العربية (2007) وسنة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015 وسنة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011 وسنة مهرجان (الباناف) المهرجان الثقافي الإفريقي 2009، وسنة تظاهرة تخليد الاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال (1962-2012)، وكلها تظاهرات ثقافية صرفت عليها وفيها مئات الملايين من الدولارات.
وقال الزاوي في حديث لمجلة “العرب” الصادرة في لندن: “دون شك الثقافة فعل حضاري وهي في الوقت نفسه إبداع ذاتي، والثقافة إلى ذلك اقتصاد وتجارة، اقتصاد وتجارة بميزات خاصة، استثمار في الرأسمال الرمزي وربح أيضا في الرصيد البنكي”.
واعتبر الجزائر، على سبيل المثال، من الدول العربية والإفريقية التي تملك من الطاقات في الأدب والسينما والموسيقى ما يمكنها أن تحوّل هذه الأسماء إلى ثروة اقتصادية حقيقية. لماذا يحقق كتابنا وفنانونا وسينمائيونا وموسيقيونا نجاحا تجاريا لصالح أكبر الشركات الأجنبية في أوروبا ولا يعتمد عليهم في الاستثمار الثقافي الوطني؟.
وذكّر هنا، على سبيل التمثيل، بموسيقى الرّاي من الشاب خالد إلى مامي والموسيقيين من إيقربوشن والصافي بوتلة إلى الأدباء من أمثال ياسمينة خضرا وبوعلام صنصال وآسيا جبار وكمال داودة، ومن الفنانين التشكيليين من أمثال رشيد قريشي وامحمد إسياخم.
ويعتقد الزاوي أن سوء التدبير مع وفرة المال المراق على الثقافة مثلها مثل قطاعات أخرى ابتلعت أموالا مضاعفة خلال الفترة نفسها دون أيّ مردود يذكر كالفلاحة مثلا وغيرها، جعل الجزائر تعيش حالة من الفوضى الثقافية، وتم خلط الأوراق، فقد اختلط الحابل بالنابل، الجيد بالرديء، وأصبحنا بقدرة قادر نرى عشرات الكتاب ينشرون أعمالهم الكاملة في مجلدات عدة أنيقة على حساب وزارة الثقافة حيث لا أحد يقرأ مثل هذه الكتب، ولكن وراء هذه العملية يجني الناشر مالا وفيرا على حساب الوزارة الوصية، كما يجد الكاتب فيها فرصة للانقضاض على طرف الخبزة على حد تعبيره.
وتابع منتقدا واقع الثقافة قائلا: “في مثل هذه الحال من سوء التدبير وكثرة المال العمومي غير المراقب، تغتال الأسماء الجادة الجديدة وذلك بأن يتم تغريقها في وهم الوصول السريع أو بوضعها في كيس واحد مع أسماء كثيرة أخرى رديئة أو غير موهوبة، وبالتالي تنتحر إما غرورا أو من خلال تعويمها داخل أسماء كثيرة وهو ما يسمى بالترذيل (la banalisation)”.
لكنه عاد ليؤكد بالكثير من التفاؤل “الآن وبعد أن ألغي الدعم أو قلّص إلى درجات كبيرة، أشعر بالهواء النقي بدأ يهب على الساحة الثقافية، وهو شعور الكثير من المثقفين والكتاب، لقد اختفت كثير من دور النشر المشبوهة من الساحة، والتي ظلت ترتزق على الأموال العمومية وتنشر كتبا لا يقرأها أحد، شأنها شأن كثير من عناوين الجرائد التي تُمْنَحُ المليارات من الدنانير من خزينة الدولة في شكل إعلانات ولا أحد يقرأها ولا تشكل أيّ وزن في الرأي العام”.
وقال: “إنني من المؤمنين بأن الأدب يرتفع سهمه، قراءة وجمالا، حينما ينمو داخل الحرية والصدق والموهبة، وهي قيم يجب أن يدفع الكاتب الأصيل ثمنها، أما رعاية الأدب بالمال العمومي غير المحاسب عليه، فهي رعاية ملغومة تقوم في غالب الأحيان بهدف تقليم أظافر الكتابة النمرة، وتحويلها إلى أرنب، وفي عملية كهذه يحوّل الكاتب إلى موظف بسيط أو سمسار يقف عند باب معيله، وبالتالي يقبل بأن يمد لسانه للقص ولغته للتلوث وعرضه للهتك وتصلى عليه الجنازة”.