تعرف المدارس المتخصصة في تقديم دروس الدعم لمختلف الأطوار التعليمية إقبالا كبيرا منذ الدخول الاجتماعي، في سعي واضح من أجل حجز التلاميذ لأماكن تضمن لهم النجاح الذي صار مقرونا بهذه الدروس، بعد
أن تحولت هذه الأخيرة إلى أكثر من ضرورة حتمية بالنسبة للتلاميذ وأوليائهم، على حد سواء لتحصيل النجاح، الذي أصبح بالنسبة للبعض مرهونا بعدد ساعات الدعم. هذه الظاهرة، كان من أهم نتائجها انتشار المدارس الخاصة بشكل ملفت للانتباه، مما جعل المتتبع يتساءل حول ما إذا كان التلميذ حقا يحصل على دروس تساعده على الرفع من مستواه، أم أنها عبارة عن تجارة هدفها استنزاف جيوب الأولياء.
ويلاحظ المواطن عند تجوله في الشوارع عددا من الإعلانات الملصقة بصورة عشوائية على الجدران، تحمل بيانات عن مختلف المدارس مرفقة برقم الهاتف، وفي الإعلان تأكيد على الكفاءة من خلال إرفاقه بعبارة “يشرف عليهم أساتذة مؤهلون وأكفاء”.
أقسام مكتظة منذ البداية
وفي زيارة قادتنا لبعض هذه المدارس للإطلاع على مدى الإقبال على هذا النوع من المدارس، وكذا أهم المواد التي يحتاج فيها المتمدرسون إلى المساعدة، فتبين لنا من خلال هذه الزيارة، أن الإقبال كبير من طرف التلاميذ وحتى من أوليائهم الذين يقصدون المدرسة طلبا للدعم، ويكون ذلك عادة في المواد الأساسية، فمثلا: أصحاب الشعب العلمية يتجهون إلى طلب الدعم بمواد كالرياضيات والفيزياء والعلوم، أما بالنسبة للشعب الأدبية فعادة ما يكون الإقبال فيها على اللغات الأجنبية والعربية ومادة الفلسفة، وفي بعض الأحيان في مادة التاريخ والجغرافيا. وحسب المكلفة بالتسجيلات -التي رفضت ذكر اسمها – تم إقفال باب التسجيل فيما يخص طلبة الطور الثانوي من المقبلين على اجتياز شهادة البكالوريا، بعد اكتظاظ الأقسام الموجودة، أما بالنسبة للطورين المتوسط والابتدائي، فإن التسجيلات لا تزال مستمرة، أما التوقيت فقالت إنه يُضبط في الفترة المسائية ليتسنى للتلاميذ التفرغ من وقت الدوام بالمدارس العمومية والالتحاق بالمدارس الخاصة.
كما قالت ذات المتحدثة إن التسجيلات لتلقي دروس الدعم تبدأ في بعض الأحيان قبل الدخول الاجتماعي، حيث يقصد الأولياء هذه المدارس للإستفسار وحجز مقاعد خاصة.
بين عدم الاكتفاء والرغبة في رفع المستوى
من جهة أخرى، أرجع عدد من الأولياء الذين تحدثنا معهم سبب إقبالهم على تسجيل أبنائهم بدروس الدعم إلى عدم الإكتفاء بما يقدم للطلبة من المعلمين بالمؤسسات التربوية من جهة، وإلى الرغبة في تحصيل النجاح من خلال رفع المستوى، خاصة
وأن هذه المدارس تتعمد جلب أساتذة أكفاء يبذلون ما في وسعهم لترسخ المعلومة في أذهان الطلبة، وهو ما لا نجده في المدارس العادية الذين يحرصون فقط على إنهاء البرنامج. مشيرة إلى أن سعر الدروس التي تقدم تختلف من طور لآخر، وعادة تبدأ من 2000 دج للشهر بمعدل حصة في الأسبوع بسبب كثرة عدد الطلبة.
دروس الدعم ..هل أصبحت مفتاح النجاح السحري.
اقتربنا من بعض التلاميذ الذين توافدوا على المدرسة الخاصة للتسجيل، والبداية كانت مع الطالب رضوان المقبل على اجتياز شهادة البكالوريا، حيث أكد في حديثه معنا أنه على الرغم من تفوقه في المواد الأساسية، إلا أنه يشعر بالخوف، خاصة أن كل زملائه سجلوا لتلقي الدعم، الأمر الذي دفعه إلى التسجيل لمزيد من الدعم، على خلاف شيماء المقبلة هي الأخرى على اجتياز شهادة البكالوريا بالشعبة العلمية، والتي تعتقد أن تحصيل النجاح يتطلب الحصول على مزيد من الدعم، وأن هذا لا يتحقق إلا من خلال الإلتحاق بهذه المدارس التي كان لها معها تجربة سابقة في شهادة التعليم المتوسط، حيث مكنتها دروس الدعم من تحصيل معدل جيد، في حين تعتقد ليديا تلميذة بالطور المتوسط، أنها لا تستطيع استيعاب دروسها، خاصة مع اكتظاظ الأقسام، كما أن المعلمين لا يمنحونهم فرصة طرح السؤال لفهم بعض الأمور غير الواضحة، الأمر الذي حتم عليها التسجيل بالمدارس الخاصة لتتمكن من فهم ما يستعصى عليها فهمه.
وإذا كان هذا رأي التلاميذ، فإن الأولياء أيضا يوافقون أبناءهم ، وهو ما أكده عدد ممن رافقوا أبناءهم عند عملية التسجيل، حيث أكدوا لنا أن دروس الدعم ورغم غلاء تكاليف الحصة الواحدة، إلا أنها تحولت إلى مسألة حتمية، وعلى حد قول إحدى السيدات، فإن ما أصبح يقدم في المدارس العمومية لا يساعد التلميذ مطلقا على النجاح، وأن الراغب في التفوق لابد له من دروس الدعم.
دروس الدعم… منظومة تربوية موازية
وحول ظاهرة الإقبال على تسجيل المتمدرسين بالمدارس الخاصة للرفع من مستواهم، ذهب المختص في علم الإجتماع يوسف حنطبلي إلى اعتبارها تقليدا – إن صح القول – حيث تنطلق مع كل دخول اجتماعي رحلة الآباء في البحث عن الأساتذة والمدارس الخاصة التي تمنح دروسا تدعيمية لأبنائهم، كما قال إن هناك من يخصصون مبالغ كبيرة لمنح أبنائهم هذه الدروس وفي كل المواد، حتى باتت هذه الدروس بديلا للدروس النظامية، في إشارة واضحة إلى أن هذه الظاهرة أخذت في الانتشار في كل الولايات، إذ نلاحظ أن التلاميذ لم يعودوا يعطون أهمية كبيرة للدروس النظامية، على اعتبار أن الدروس التدعيمية هي التي تعطيهم التحصيل الدراسي المناسب، خاصة بالنسبة للأقسام النهائية في كل طور.
ويقول المختص الاجتماعي؛ السؤال الذي يتبادر للأذهان مفاده: كيف يمكن تقييم أداء المنظومة التربوية واعتبارها حققت الأهداف التربوية، في ظل أخذ الأولياء زمام أمور أبنائهم من خلال منحهم دروسا موازية؟ وهل نسبة نجاح التلاميذ في البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط والابتدائي يعود فضل تحقيقها للوزارة الوصية أم أن الفضل فيها للأولياء الذين يقتطعون من جلدهم وعرقهم وعناء نقل أبنائهم في سبيل تحقيق ذلك؟
استنزاف لجيوب الأولياء وعدم خضوع للرقابة
يقول رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ، علي بن زينة إنه يوجد طلب كبير على التسجيل بمثل هذه المدارس الخاصة التي اتجهت في الآونة الأخيرة، إلى تبني شعار “تقديم دروس الدعم لمساعدة الأبناء على النجاح”، وهو الأمر الذي سبق للمنظمة أن طرحته على الحكومة من أجل إعادة النظر في الطريقة التي تعمل بها مثل هذه المدارس، يقول، حيث طالبنا بضرورة التدخل لتنظيمها وفرض نوع من الرقابة عليها، غير أن مطلبنا لم يؤخذ على محمل الجد، مشيرا إلى أنه على الرغم من أن هذه المدارس حقيقة تقدم نوعا من الدعم، غير أن العملية تتطلب نوعا من الرقابة حتى لا تتحول إلى تجارة تستنزف جيوب الأولياء، ولعل سعر الحصص دليل واضح على ذلك.
من جهة أخرى، اعتبر بن زينة إقبال الأولياء على تسجيل أبنائهم بمثل هذه المدارس للحصول على الدعم ببعض المواد مبررا، لأن المدارس اليوم وللأسف الشديد، لا تركز على النوعية فيما تقدمه من دروس، بدليل أن مستوى التلاميذ يتدهور سنة بعد أخرى، في إشارة منه إلى أن الإنتشار الكبير لهذه المدارس يثبت بأن التلميذ بالمؤسسات التربوية لا يحصل على الفهم الكافي، الأمر الذي يجعله يبحث عن منافذ أخرى للرفع من مستواه، خاصة بالنسبة للفئة المقبلة على اجتياز امتحانات مصيرية كطلبة البكالوريا، بالتالي المنظومة التربية مدعوة لإعادة النظر في طريقة التدريس وفرض نوع من الرقابة على كل ما يتعلق بالدعم، والمطالبة بالتكفل بملف الدعم من خلال تخصيص ساعات إضافية بعد ساعات الدوام في المؤسسات التربوية للتلاميذ الراغبين في الحصول على الدعم.