تعد طاهري فتيحة الساكنة بقرية القرايش ببلدية تاوقريت الواقعة 70 كلم شمال غرب الشلف، من البنات اللاتي كن ضحية لظاهرة الأمية نتيجة عادات اجتماعية بمنطقتها، غير أن هذا لم يثنها عن تحقيق حلمها لاحقا لرفع التحدي وتذليله في رحلة تحرر ملهمة، توجت بنيل شهادة جامعية عليا.
رصاصة الرحمة وبداية التحرر
وبدأت فصول قصة تحرر الآنسة طاهري منذ سنة 2008 بعد وفاة جدها الذي منعها من مزاولة دراستها بحكم العادات والتقاليد، إلا أن هذه الظروف العائلية كانت لصالحها، ليشجعها والدها على الالتحاق بصفوف محو الأمية في سن الأربع عشر ربيعا، فكانت رصاصة الرحمة التي أعلنت بداية قصة تحررها من براثن الأمية نحو مجالات العلم والمعرفة.
مشهد استثنائي
وبقسم محو الأمية بقرية الشعابنية وهو أقرب أقسام محو الأمية التي كانت تتواجد بمنطقتها، صنعت فتيحة مشهدا استثنائيا كونها أصغر متمدرسة بالصف مقارنة مع زميلاتها الأكبر منها بسنوات عدة، فيما لم تمر شهور عن مزاولتها الدراسة حتى أبانت عن تميز ونشاط كانا إيذانا ببداية كسر قيود الجهل والأمية والمضي في سبيل طلب العلم والمعرفة.
جهود أثمرت الإدماج
وأمام إثبات تفوقها مقارنة ببقية المتمدرسات بقسم محو الأمية، لم يكن أمام القائمين على هذا الصف إلا التنسيق مع قطاع التربية وإدماجها في قسم السنة الرابعة ابتدائي، لينطلق فصل جديد في حكايتها وتحد من نوع آخر يستهدف إثبات جدارتها أمام زملائها الجدد لاسيما أنها قادمة، على خلافهم، من صفوف محو الأمية.
وإصرارا منها على رفع التحدي ومواصلة مسيرة التفوق، وتفادي إعادة السنة الدراسية، كانت التلميذة طاهري وبعد عودتها من مقاعد الدراسة، تلتحق مساء بصف محو الأمية، بغية مضاعفة مجهوداتها والرفع من مستواها الدراسي، وكذا زيارة أساتذتها الذين شجعوها ودعموها.
وباجتيازها لشهادتي التعليم الابتدائي والمتوسط بدأت الطموحات العلمية للآنسة طاهري تتوسع نحو الظفر بشهادة البكالوريا ومن ثم ولوج جامعات التعليم العالي، وهي الأهداف التي تحققت رغم ظروفها الصعبة، حيث نالت شهادة الليسانس في علم الآثار ثم ماستر في ذات التخصص.
من الصفر إلى دراسة الآثار
وتستذكر هذه الشابة جميع تفاصيل تجربتها في التحرر من الأمية التي انطلقت من الصفر لتصل اليوم إلى التحكم في اختصاص الآثار وكذا التكنولوجيا الحديثة، معتبرة أن الالتحاق بصفوف محو الأمية كان فرصة من العدم عرضت عليها وأحسنت استغلالها على أمل أن تكلل في الأخير بمنصب شغل يساعدها على إعالة عائلتها ورد الجميل لوالديها.
كما لا تستبعد الآنسة طاهري إمكانية تدريسها بصفوف محو الأمية إن أتيحت لها الفرصة، لتساهم بذلك في تحرير العديد من أبناء وبنات منطقتها من هذه الآفة التي عادة ما تحول دون تحضر الأفراد وانفتاحهم على التحولات العالمية والوطنية والمحلية.
وبحلول اليوم العالمي لمحو الأمية الذي تم الاحتفال به مؤخرا، تدعو المتحدثة من لا تساعده الظروف في التعلم إلى الالتحاق بأقسام محو الأمية الأقرب من مقر إقامتهم، ومزاولة الدراسة التي تفتح لهم آفاقا جديدة، ليس فقط على الصعيد الأكاديمي والمهني ولكن حتى على الصعيد الاجتماعي والثقافي.
فيما تبقى فتيحة طاهري مثالا يحتذى به لدى فئة البنات، التي تمسها بنسبة أكبر ظاهرة الأمية مقارنة بفئة الذكور بهدف كسر قيود الجهل والالتحاق بركب العلوم والمعرفة، لا تزال ظاهرة الأمية بحاجة لتنسيق جميع الجهود مع جميع القطاعات، في سبيل التحرر نهائيا من هذه الآفة التي ينجر عنها عديد الآثار السلبية وتحول دون مشاركة قوية للأفراد في الخطاب الاجتماعي والسياسي.
ق. م