لا يختلف اثنان على أن الكمبيوتر والأنترنت وتوابعهما أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا العصرية، ومن لا يعرف استعمالهما يعمل كل ما في وسعه للتعلم خصوصا الأهل الذين لم يتعرفوا إلى هذا الصندوق العجيب خلال مرحلة طفولتهم أو مراهقتهم، بينما اليوم يواكب الكمبيوتر والأنترنت نمو الطفل وتطّوره، وهما متوافران لديه في كل مكان يذهب إليه سواء في المنزل أو المدرسة أو عند صديقه أو في مقاهي الأنترنت.
وفي المقابل يشكو الوالدان أن ابنهما لا يكترث لما يطلبان منه أثناء جلوسه إلى الكمبيوتر وكأنه غارق في عالم رقمي لا علاقة له بالعالم الإنساني، فتجد مراهقا يدردش مع صديقه ويضع أمامه وجبة طعامه، ويكتب في المدونة الخاصة به، وكأن كل ما يحدث حوله في العالم الواقعي مجرد ظلال لا يراها أو يسمعها أو يشعر بها.
الأنترنت سلاح ذو حدين
يرى الاختصاصيون أن شبكة الأنترنت أحضرت العالم إلى البيت وأصبح في متناول التلميذ كل أنواع المعرفة (أحداث، حضارات، تكنولوجيا). ولم يعد الطفل مجرد متلقي، بل أصبح في إمكانه إنتاج محتوى على الأنترنت والتعبير عن نفسه، أي التفاعل بالمعنى الإنتاجي للكلمة. إذ يقوم المراهقون بابتكار صفحة المدونة الخاصة ليعبروا من خلالها عن آرائهم وأفكارهم مما يعني أنهم يشاركون في إنتاج محتوى من خلال الصور والتواصل الاجتماعي أو إنشاء فريق عبر الأنترنت، وهذا لم يكن متاحا في السابق. ولكن هذا لا ينفي وجود مساوئ لهذا النوع من التواصل نتيجة غياب رقابة الأهل.
الجلوس لفترة طويلة والحجة القيام بالبحوث المدرسية
عندما يطلب من التلميذ أن يحضّر بحثا مدرسيا يلجأ إلى الشبكة العنكبوتية، حيث يجد في الموسوعات الإلكترونية بحرا من المعلومات التي لم يكن يتوقعها أو يفكر فيها مما يساعده على إنجاز بحثه بالسرعة المطلوبة، ولكن يشكو بعض المعلمين أن التلامذة عندما ينجزون بحثهم من خلال الأنترنت إنما ينسخون المعلومات. صحيح أن إمكان نسخ المعلومة وارد، ولكن عندما يعلّم الأستاذ التلميذ المنهجية الصحيحة للحصول على المعلومة عبر الأنترنت، ويطلب منه أن يعطيه 3 أو 4 مراجع على الأنترنت وعدم الثقة بمصدر واحد، وفي القسم يناقشه في المعلومات التي وجدها، ويتأكد أنه اطلع على المعلومة الصحيحة، ويعرف كيف يعرضها، وهذه إجراءات تفاعلية، فإنه يساعده في تعلم منهج البحث، فالهدف ليس النسخ بل مناقشة المعلومة.
ولهذا يقول أستاذ اللغة العربية السيد “موالي. ر” إن المشكلة ليست في الأنترنت، لكن في طريقة استخدامها التي يعتمدها التلميذ. وهذا لا يعني أن نلغي الكتاب، ولكن إذا كان ثمة وسيلة إضافية تساعد في تحسين المستوى الثقافي عند التلميذ، فلمَ لا يستعملها. ولكن في الوقت نفسه من الضروري أن يرشد الأهل ابنهم إلى المواقع الموثوق بها، ويعلمونه كيف يتحقق من المعلومات التي يحصل عليها.
41 بالمائة من المراهقين يمتلكون مدوناتهم الخاصة
أثبتت دراسة فرنسية أن 41٪ من المراهقين لديهم مدوناتهم الخاصة، يعبّرون من خلالها عن آرائهم وأفكارهم مما يعني أنهم يشاركون في إنتاج محتوى من خلال الصور والتواصل الاجتماعي أو إنشاء فريق عبر الأنترنت، وهذا لم يكن متاحا في السابق. ولكن هذا لا ينفي وجود مساوئ لهذا النوع من التواصل، نتيجة غياب رقابة الأهل. فالمراهق الحسّاس جدا والذي يعبر عن مشاعره ويتحدث عن أمور شخصية قد تعرضه لتعليقات جارحة من الآخرين ويتأثر سلبا بها. لذا من الضروري أن يناقش الأهل أبناءهم في محتوى المدونات الخاصة بهم وإعلامهم بالأخطار التي يمكن أن تنتج عن ذلك.
مواقع التواصل الاجتماعي الوقت البديل للمراهقين والأطفال
تجرى العديد من الحوارات على ” msn” والفايسبوك والتويتر واللافت أن 54 في المئة من المشاركين في هذه المواقع تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشرة والثامنة عشرة. ويشكل هذا النوع من التواصل وسيلة جيدة بالنسبة إلى المراهقين الخجولين شرط ألا تكون وسيلتهم الوحيدة التي يستعملونها لتبادل الآراء.
فقد تؤدي الدردشة الإلكترونية إلى أن ينسى المراهق مسألة الاحتشام، ويقبل دعوة أشخاص لا يعرف عنهم شيئا ويصبحون أصدقاءه. والخطورة تكمن في أن يطلب هؤلاء الأشخاص من المراهق القيام بأمور منافية للأخلاق خصوصا إذا كان الكمبيوتر مجهزًا بـ “ويب كاميرا”، أو يطلبون منه أن يزودهم بمعلومات خاصة عن أفراد عائلته وغيرها من الأمور الخارجة عن التقاليد الاجتماعية.
أهمية الحوار الواقعي لإخراج العنف الافتراضي الذي تسببه الألعاب
يبدو أن ألعاب المواقع الإلكترونية يزاولها معظم المراهقين الذكور، فواحد من بين اثنين يمارس هذه الألعاب، وتتراوح أعمار الممارسين بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة. ويرى الاختصاصيون أن المراهق الذي لديه نشاطات أخرى في حياته ويشعر بالرضى عنها، فإن هذه الألعاب لا تشكل خطرا عليه من حيث وقوعه في إدمانها، بينما الخطر يكون عبر الألعاب الافتراضية التي تسمح للمراهق لا سيما الخجول بتخطي الحدود، والتخلص من الخوف أو الخجل، لأنه خلال اللعب يمكنه أن يتقمص شخصية أخرى مختلفة عن شخصيته الحقيقية ويتماهى معها فيحاول أن يتخطى الصعاب الواقعية عبر عالم افتراضي يستطيع فيه أن يقوم بكل ما يحلو له، وبالتالي يزداد احتمال انطوائه على نفسه وعدم التواصل مع العالم الواقعي. فرغم أنه يتمكن من تنفيس كبته في هذا العالم الافتراضي، ينبه الاختصاصيون إلى أنه من الضروري أن يخرج العنف الافتراضي عبر الحوار الواقعي بين الأهل والابن، كي لا يبقى في لا وعيه ويتحول تدريجيا إلى فعل واقعي.
من الإدمان إلى فوبيا التواصل الاجتماعي
يركز المراهق مدمن الأنترنت على أبواب الدردشة والألعاب والتسوق ولا يهتم بالأبواب الأخرى، فضلاً عن أنه لا يرد على الهاتف، ولا يتناول وجبة طعامه مع العائلة، وإذا انقطعت الأنترنت يشعر بالغضب والملل وغالبا ما يكون المراهق المدمن خجولا منطويا على نفسه، وأحيانا يكون مصابا بفوبيا التواصل الاجتماعي.
المختصون يلحون على ضرورة مراقبة الأهل لأبنائهم
أكد المختص الاجتماعي “كمال. ر” أنه أصبح من الضروري أن يراقب الأهل أبناءهم أثناء قيامهم بالدردشة ويطلبون منهم عدم كتابة أي معلومات شخصية عنهم أو عن أي فرد من العائلة، فهذه المعلومات يمكن أن يراها أي شخص يستعمل الخدمة نفسها. وكذلك يجب التشديد على عدم التحادث مع شخص يبدو عنوانه الإلكتروني مريبًا، وفي المقابل عليهم مراقبة لائحة جهات الاتصال بشكل دوري للتأكد أن الأسماء الواردة فيها يعرفون أصحابها. فإذا كانت غامضة يمكن منعهم من الظهور أو الاختراق أثناء المحادثة، فلذا على الأهل وضع قوانين لاستعمال الكمبيوتر بصورة عامة والأنترنت بصورة خاصة، وعليهم أن يجدوا توازنا بين الجلوس إلى الكمبيوتر وساعات القيام بنشاطات أخرى، كما عليهم أن يضعوا جهاز الكمبيوتر في مكان يخضع لرقابتهم طوال الوقت مثل غرفة الجلوس، وعدم وضعه في غرفة نوم الطفل. وإذا كان الأهل يستخدمون خدمة “ويندوز فيستا” يمكنهم تثبيت قانون استخدام الكمبيوتر في المنزل من خلال تحديد وقت الاستخدام عبر الاستفادة من خدمة “ويندوز فيستا بارونتال كنترول” وأخيرا على الأهل أنفسهم أن يراقبوا طريقة استخدامهم للأنترنت، فإذا كانوا يجلسون مدة طويلة من الطبيعي أن يقلدهم أبناؤهم.
ق.م