بشراك يا من خاف على نفسه الرياء

بشراك يا من خاف على نفسه الرياء

إن الله سبحانه يتَعالى بكِبْريائه وعزّته عن أن يتَقبَّل عملاً أُشرِك فيه غيره؛ ففي الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة: “أنا أغنى الأغنياء عن الشِّرك، مَن عمل عَملاً أشرك فيه غيري تَركتُه وشِركَه”، فليس مِن الحياء مع الله أن تتقرَّب إليه بعَملٍ تُريد به وجهَ غيره معه؛ فأين الحياء إن لم يكن الأدب؟! ثم إنَّ نُبل العمل وعظَمتَه لا تَغفِر عدم الإخلاص، ولا تَجبُر التقصير فيه، فأنت لن تَبذُل أكثرَ ولا أغلى مِن نفسك أو مالك أو عِلمك في سبيل الله، ومع ذلك فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم حذَّرَنا أن هذا البذل قد يجرُّ صاحبه إلى النار؛ إذا لم يُصاحِبه إخلاصٌ يَقهر مَطامع الشيطان فيك؛ بأن تُرائيَ أو تُعجَب أو تتكبَّر.

ففي الحديث الذي يَرويه مسلمٌ عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: “إن أوَّل الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ استُشهد، فأُتي به، فعرَّفه نِعمَه فعرَفها، قال: فما عَمِلتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استُشهدتُ، قال: كذبتَ ولكنك قاتلتَ لأن يُقال: جريءٌ، فقد قيل! ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجلٌ تعلم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرَّفه نعمه فعرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعلَّمتُه وقرأتُ فيك القرآن، قال: كذبتَ ولكنك تعلمتَ العلم ليُقال: عالمٌ، وقرأتَ القرآن ليقال: هو قارئٌ، فقد قيل! ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجلٌ وسَّع الله عليه وأعطاه مِن أصناف المال كلِّه، فأُتي به، فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تحب أن ينفق فيها إلا أنفقتُ فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلتَ ليُقال: هو جوادٌ، فقد قيل! ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار”. هذا الحديث يخبرنا أن مع الإخلاص ينفعنا صغيرُ العمل وكبيره، وبدون الإخلاص لا ينفعنا لا صغير العمل ولا كبيره؛ بل يُصبح وَبالاً علينا! فراجِع نفسَك قبل أيِّ عمل صالح تعمَله، وراجِعْ قلبك وجدِّد نيتك، ونقِّها وطهِّرها من أن يختلط بها شيء من هذا الداءِ.