الرد المرتقب على ملفات المكتتبين قبل نهاية شهر جويلية 2025

“عدل 3”: من التسجيل.. إلى التنفيذ… إلى تسليم المفاتيح

“عدل 3”: من التسجيل.. إلى التنفيذ… إلى تسليم المفاتيح
  • وعود تُترجم على الأرض.. والعد التنازلي بدأ

مع إعلان وزير السكن والعمران، طارق بلعريبي، عن الرد المرتقب على ملفات مكتتبي برنامج “عدل 3” قبل نهاية شهر جويلية 2025، يدخل هذا المشروع السكني مرحلة جديدة طال انتظارها من قبل آلاف المواطنين الذين أودعوا طلباتهم منذ منتصف عام 2024.

ويعد هذا الإعلان، بمثابة انطلاقة فعلية لأحد أكبر برامج السكن في الجزائر، والذي تميز منذ بدايته بإجراءات رقمية حديثة، وإقبال شعبي غير مسبوق، ومرافقة حكومية مستمرة. ووسط هذا الزخم، تتجه الأنظار نحو تفاصيل الإنجاز الميداني، وآليات التوزيع، ومواصفات السكنات، في انتظار أن يتحول حلم السكن اللائق إلى واقع ملموس على الأرض. هذا الزخم المتصاعد حول برنامج “عدل 3” انطلق فعليا منذ الخامس من جويلية 2024، حين فتحت الوكالة الوطنية لتحسين السكن وتطويره بوابة رقمية خاصة لتسجيل الراغبين في الاستفادة من هذه الصيغة السكنية. وقد شكّلت هذه الخطوة نقطة بداية عملية غير مسبوقة في تاريخ برامج السكن بالجزائر، سواء من حيث التنظيم الإلكتروني أو حجم الإقبال الشعبي. في ظرف زمني لم يتعدَّ أسبوعين، تجاوز عدد الطلبات المسجلة عبر المنصة الرقمية حاجز المليون ونصف، حيث أعلنت الوكالة عن تسجيل 1.440.340 طلبا قبل أن تغلق البوابة يوم 18 جويلية 2024. هذا الرقم الضخم يعكس حجم الحاجة الملحة لدى المواطنين للحصول على سكن، ويؤكد من جهة أخرى الثقة الكبيرة التي يوليها الجزائريون لبرنامج “عدل” بصيغه المتجددة. وقد مكّنت الرقمنة من تقليص الضغط على مصالح الوكالة، وساهمت في تجنيب المواطنين عناء التنقل والطوابير الطويلة التي كانت ترافق مثل هذه العمليات في السابق. كما أظهرت العملية قدرة المنصة على استيعاب حجم الطلبات الكبير رغم التذبذبات المسجلة، ما يحسب للإعداد التقني المسبق الذي رافق العملية. وفي الوقت نفسه، كانت المصالح الوزارية تتابع بدقة تفاصيل التسجيلات، وهو ما دفع وزير السكن إلى التأكيد حينها على أن العملية ستخضع لاحقا لغربلة دقيقة، من خلال التحقيق في الملفات والتحقق من صحة المعطيات، بما يضمن عدالة الاستفادة من هذا المشروع السكني الضخم. وبعد غلق المنصة، دخل البرنامج مرحلة جديدة تمهيدا لفرز الملفات وتنظيم المرحلة الإدارية التالية، وهي المرحلة التي ستُبنى عليها بقية الإجراءات، بدءا من تفعيل الحسابات إلى غاية معالجة الملفات النهائية والرد على المكتتبين.

 

منصة لتفعيل الحسابات وتحميل الملفات

بعد الانتهاء من مرحلة التسجيلات الرقمية التي شكّلت اختبارا ناجحا للوكالة، انتقل برنامج “عدل 3” إلى مرحلة جديدة أكثر دقة، وهي مرحلة تفعيل الحسابات وتحميل الوثائق المطلوبة. هذه الخطوة جاءت لتُجسد الانتقال الفعلي من مجرّد تسجيل رقمي إلى بناء قاعدة بيانات حقيقية للمكتتبين المؤهلين، مما مهّد لفرز الملفات ودراستها إداريا. ففي يوم 11 مارس 2025، أطلقت الوكالة الوطنية لتحسين السكن وتطويره منصة رقمية ثانية، تم تخصيصها حصريا للمسجلين من أجل تفعيل حساباتهم الشخصية وتحميل الملفات الإدارية اللازمة، مثل شهادات الدخل والحالة العائلية وغيرها من الوثائق التي تتيح تقييم وضعية المكتتبين بشكل دقيق. وقد رافقت الوكالة هذه المرحلة بحملة توجيهية مكثفة لتسهيل العملية وتجنب الأخطاء. واستمرت عملية التفعيل وتحميل الملفات لمدة شهرين تقريبا، إلى أن تم غلق المنصة مؤقتا بتاريخ 20 ماي 2025. واعتُبر هذا الغلق بمثابة نهاية للمرحلة التقنية، وبداية فعلية لمعالجة الملفات على مستوى المصالح المختصة، ما يعني أن البرنامج دخل رسميا مرحلة إدارية دقيقة تهدف إلى انتقاء المكتتبين المؤهلين بكل شفافية وصرامة. وقد ساد هذه المرحلة ارتياح نسبي لدى غالبية المكتتبين، لا سيما بعد التطمينات التي قدمها وزير السكن بشأن النزاهة في دراسة الملفات، وتأكيده المتكرر على أن “الرقمنة لا تُقصي أحدًا، ولكنها تُنصف الجميع”. كما حرصت الوكالة على إتاحة إمكانية تصحيح البيانات قبل الغلق، ما ساعد العديد من المواطنين على تفادي الإقصاء بسبب أخطاء بسيطة. ومع اكتمال هذه المرحلة الإدارية، بدأت التساؤلات تتزايد حول العدد الحقيقي للمقبولين مبدئيا، وهي النقطة التي أجاب عنها الوزير لاحقًا بأرقام دقيقة.

 

أكثر من مليون مكتتب مقبول مبدئيا

بعد انتهاء عملية تفعيل الحسابات وتحميل الملفات، وبدء المصالح المختصة بدراسة الملفات الإدارية، كان الجميع ينتظر الأرقام الرسمية التي تعكس حصيلة الغربلة الأولية. وفي هذا السياق، كشف وزير السكن والعمران، طارق بلعريبي، عن أول رقم رسمي يتعلق بالمقبولين مبدئيا في إطار برنامج “عدل 3″، ما شكّل لحظة حاسمة في مسار المشروع. وبحسب التصريحات الرسمية، فقد بلغ عدد المكتتبين المقبولين مبدئيا 1.024.342 مكتتبا، وهو رقم يعكس الحجم الكبير للطلب، ويؤكد في الوقت ذاته التزام الدولة بتوسيع قاعدة الاستفادة دون المساس بشروط الانتقاء. وأوضح الوزير، أن هذه الأرقام ليست نهائية، كون عمليات التحقيق لا تزال جارية للتأكد من صحة المعطيات المصرح بها. ووفق ذات التصريحات، فإن العملية تخضع لمقاربة قائمة على معايير موضوعية، أبرزها الوضعية الاجتماعية والدخل الشهري وعدم الاستفادة المسبقة من برامج سكنية عمومية. وتم التأكيد على أن كل الملفات المدروسة تُعالج بشكل فردي على مستوى المصالح الإدارية للوكالة بالتنسيق مع الجهات المعنية، لضمان أقصى درجات الشفافية. وقد حظي الإعلان عن هذه الأرقام بمتابعة إعلامية واسعة، كما شكل ارتياحا كبيرا لدى شريحة واسعة من المواطنين الذين كانوا يترقبون مؤشرات توضح لهم موقعهم ضمن البرنامج. كما شدد الوزير في أكثر من مناسبة، على أن كل مكتتب مقبول مبدئيا سيُمنح رقما خاصا يُتيح له متابعة وضعيته لاحقا. وتزامنا مع هذا التطور، بدأت الوزارة تتحدث بشكل رسمي عن استعدادات ميدانية لاحتضان هذا العدد الكبير من المستفيدين، بدءا من تحديد الأراضي، وصولا إلى الشروع في الأشغال.

 

مواقع الإنجاز جاهزة والأراضي محددة

مع اتضاح معالم القائمة الأولية للمكتتبين المقبولين، بدأت التحضيرات الميدانية تأخذ منحًى أكثر جدية، حيث شرعت وزارة السكن والوكالة الوطنية “عدل” في تحديد مواقع الإنجاز وتهيئة الظروف العملية لانطلاق المشروع فعليا على الأرض. وقد كشف وزير السكن أن القطاع أنهى إجراءات اختيار الأراضي المخصصة للشطر الأول من البرنامج. ووفق المعطيات الرسمية، تم تخصيص 7 آلاف هكتار عبر مختلف ولايات الوطن لإنجاز هذا الشطر، بما يُغطي احتياجات العدد الهائل من المكتتبين المقبولين. وأكد الوزير، أن اختيار المواقع خضع لمعايير عمرانية دقيقة، تأخذ بعين الاعتبار توفر المرافق العمومية، والبنية التحتية، وإمكانية التوسّع في المستقبل. كما تمّت المصادقة على دفاتر الشروط الخاصة بالدراسات التقنية والهندسية، وهي الخطوة التي تسبق عادةً إطلاق المناقصات واختيار المؤسسات المكلفة بالإنجاز. وحرصت الوزارة، على تضمين هذه الدفاتر معايير جديدة تتعلق بنوعية البناء، وجودة المواد، والالتزام بالآجال التعاقدية، تفاديا لأي تأخير أو إخلال بالتزامات الإنجاز. وتُعد هذه المرحلة، من أبرز المؤشرات على أن “عدل 3” أصبح واقعا يتحرك بوتيرة مدروسة، وفق خارطة طريق واضحة. وبدأت بالفعل بعض الورشات التحضيرية في ولايات كبرى مثل الجزائر، وهران، قسنطينة، وباتنة، كخطوة استباقية لتقليص آجال التسليم مستقبلا. وبالتوازي مع الجاهزية الميدانية، عملت الوزارة على تأمين الغلاف المالي اللازم لتجسيد الشطر الأول، من خلال اتفاقية تمويل استراتيجية.

 

اتفاقيات التمويل تُطلق الشطر الأول فعليا

بعد الانتهاء من تحديد الأراضي والمصادقة على دفاتر الشروط، كان لا بد من تأمين الغلاف المالي الذي يضمن انطلاقة حقيقية للشطر الأول من برنامج “عدل 3”. وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة السكن عن توقيع اتفاقية ثلاثية خلال شهر ماي 2025، جمعت بين الوزارة، الوكالة الوطنية لتحسين السكن وتطويره “عدل”، والبنك الوطني للإسكان. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تحديد آليات التمويل بدقة، وتوزيع المهام بين الأطراف المتدخلة، بما يضمن انطلاق الأشغال دون عراقيل مالية أو إدارية. وتُعد هذه الخطوة تحولا مهما في مسار البرنامج، كونها تُنهي حالة الترقب بشأن التمويل، وتؤسس لانطلاق فعلي على مستوى الورشات. وبحسب ما تم الإعلان عنه، فإن هذا الشطر الأول سيشمل بناء 200 ألف وحدة سكنية موزعة عبر عدة ولايات، وفق خارطة تنموية تأخذ بعين الاعتبار الكثافة السكانية، وحجم الطلب، وقدرة الشبكات الحضرية على الاستيعاب. وتم التأكيد على أن هذا الرقم قابل للارتفاع لاحقا، في حال توفرت الظروف التقنية والإدارية الملائمة. وقد لقي هذا الإعلان، ترحيبا واسعا من قبل المكتتبين، الذين رأوا فيه إشارة واضحة على جدية السلطات في تجسيد المشروع، خاصة بعد مراحل طويلة من الانتظار. كما عبّر خبراء عن ارتياحهم لتوحيد الجهود بين القطاع البنكي والقطاع السكني، باعتباره نموذجا ناجحا للشراكة في المشاريع العمومية الكبرى. ومع اقتراب الانطلاقة الفعلية، بدأت الأنظار تتجه نحو طبيعة السكنات ومواصفاتها، وخاصة الأسعار التي تمثل عنصرا حساسا في المعادلة.

 

مواصفات عصرية وأسعار مقبولة

مع استكمال الاستعدادات التقنية والمالية لانطلاق برنامج “عدل 3″، بات الحديث عن مواصفات السكنات وأسعارها يشكّل اهتماما واسعا لدى المكتتبين، الذين ينتظرون معرفة ما إذا كانت هذه الصيغة الجديدة ستُلبّي تطلعاتهم من حيث الجودة والقدرة الشرائية. وفي هذا السياق، أكد وزير السكن والعمران، طارق بلعريبي، أن سكنات “عدل 3” ستحمل تحسينات نوعية مقارنة بالبرامج السابقة. ولعل أبرز ما أعلن عنه الوزير هو أن هذه السكنات ستكون مزوّدة بالتدفئة المركزية، ولأول مرة في تاريخ برنامج “عدل”. واعتبر بلعريبي، أن هذه الخطوة تعكس حرص الدولة على توفير شروط العيش الكريم، خاصة في الولايات ذات المناخ البارد، مضيفا أن “التدفئة لم تعد رفاهية بل أصبحت ضرورة للحفاظ على أرواح الناس”، على حد تعبيره. وفيما يخص الأسعار، أوضح الوزير أن الوكالة عملت على ضبط أسعار البيع لتكون مقاربة أو أقل بقليل من شقق الترقوي المدعّم، وذلك بهدف توسيع شريحة المستفيدين من الطبقة المتوسطة. وتم التشديد على أن التكاليف ستراعي القدرة الشرائية دون المساس بجودة البناء والخدمات. ويُتوقع أن تشمل المواصفات أيضا تحسينات تتعلق بالمساحات الداخلية، وتهيئة المحيط الخارجي، وضمان التوصيلات بشبكات الغاز والماء والكهرباء، فضلا عن إنجاز المؤسسات التربوية والصحية في نفس المواقع، بما يضمن بيئة متكاملة للسكن. وقد تم تضمين هذه الشروط ضمن دفاتر الإنجاز المعتمدة حديثا. ويُراهن القائمون على برنامج “عدل 3” على أن تكون هذه الصيغة نموذجا سكنيا متطورا، يُلبّي تطلعات المواطنين ويعيد الثقة في السياسات السكنية العمومية، خاصة مع اقتراب موعد الردود الرسمية على الملفات، الذي ينتظره مئات الآلاف من المكتتبين في نهاية شهر جويلية الجاري. وبينما يقترب موعد الرد على ملفات المكتتبين في برنامج “عدل 3″، يعيش آلاف المواطنين حالة ترقّب مشروعة، في انتظار تحويل هذا المشروع السكني الضخم من وعود إلى واقع ملموس. فالخطوات التي اتخذتها وزارة السكن والوكالة الوطنية “عدل”، من تسجيلات رقمية إلى فرز إداري وتحديد للأراضي وتمويلات جاهزة، تؤشر إلى وجود إرادة فعلية لتجسيد المشروع وفق آجال معقولة ومواصفات عصرية. ويبقى نجاح “عدل 3” مرهونا بمدى التزام جميع المتدخلين، من إدارات ومؤسسات إنجاز وبنوك، بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بدقة. وفي حال تحقق ذلك، فإن هذا البرنامج سيكون محطة نوعية في مسار الدولة نحو ضمان الحق في السكن اللائق، وتحقيق العدالة الاجتماعية على أوسع نطاق.

م. ع