براءة في رِحاب حرب

براءة في رِحاب حرب

كنت في غاية الذهول حين حملوني إلى سيارة الإسعاف.. عدسات التصوير وعدد لا بأس به من الناس تلّتف حولي.. ﻟﻢ ﺃدرِ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﺤﺼﻞ.. كنت قبل قليل ﻗﺪ ﺧﻠﺪﺕ إلى ﺍﻟﻨﻮﻡ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻗﺒّﻠﺖ ﺃﻣﻲ ﺟﺒﻴﻨﻲ وراحت إلى سبيلها.. طلبت منها وبإلحاح ألا ﺗﻄﻔﺊ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻷﻧﻨﻲ ﺃﺧﺸﻰ ﺍﻟﻌﺘﻤﺔ.. ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺣﻤّﻤﺘﻨﻲ ﻛﻲ ﻳﺮﺗﺎﺡ ﺟﺴﻤﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻌﺐ خلال فسحة الظهيرة ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ.. ﺣﻴﻦ ﺗﺬﻫﺐ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺍﺕ ﺍﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ﻻﺳﺘﺮﺍﺣﺔ ﺍﻟﻐﺪﺍﺀ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﻭﻃﻨﻲ.

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﺎﻟﺒﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﺪﺏ ﻭﺻﻮﺏ.. ﺗﺤﺘﺎﺭ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺸﺘﻬﻲ، ﺗﺘﺬﻭﻕ ﺣﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻟﺤﻤﻨﺎ ﺍﻟﻄﺮﻱ ﻭﺟﺒﺔ.. ﻭﺗﺸﺮﺏ ﻣﻦ ﺩﻣﺎﺋﻨﺎ ﻛﺄﺳﺎ ﺣﺪّ ﺍﻟﺜﻤﺎﻟﺔ.. ﻟﺘﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺟﻨﻮﻧﻬﺎ ﻓﻮﻕ ﺃﺭﺿﻨﺎ ﻭﺗﻀﻴﻊ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻘﺼﻒ ﻣﻦ ﺃﻫﺪاف..

ﺍﻟكل ﻓﻲ حيرة من ﺫﻫﻮﻟﻲ.. ﺍﺣتاﺭوا ﻣﻦ ﺻﻤﺘﻲ ﻭﻋﺪﻡ ﺑﻜﺎﺋﻲ.. ﺃﻧﺎ ﻃﻔﻞ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﺃﻋﻮﺍﻡ.. ﺣﻴﻦ ﻧﻈﺮﺕ إلى ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺴﺤﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﺭﺃﺳﻲ ﻭﺍﻟﻐﺒﺎﺭ ﺍﻟﺬي ﻳﻠﻮن ﺟﺴﺪﻱ ﻭﻣﻼﺑﺴﻲ.. ﺧﻄﺮﺕ ﺑﺒﺎﻟﻲ ﺃﻣﻲ. ﻣﺎﺫﺍ ﺃﻗﻮﻝ ﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮﺍﻧﻲ ﺑﻜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻈﺮ.. ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﻧﺒﻬﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﺃلا ﺃﻭﺳﺦ ﻣﻼﺑﺴﻲ، ﻛﻴﻒ ﺃﺷﺮﺡ ﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﻲ.. ﻭﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﻋﺮﻑ ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺮى.. ﻭﻫﻲ ﺗﺪﺭﻙ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻗﺒّﻠﺘﻨﻲ ﻭﺗﺮﻛﺘﻨﻲ ﻧﺎﺋﻤﺎ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺃﺳﺘﻴﻘﻆ ﻭﺃﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﻧﺎ ﻋﻠﻴﻪ.. ﺭﺑﻤﺎ ﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻬﻤﺎ ولا معنى له.. ﻷﻧﻨﻲ ﻻ ﺃﺟﺪ ﺃﻣﻲ ﺣﺘﻰ ﻟﺘﻮبخني.

 

سمير دعاس