أشرف وزير المجاهدين وذوي الحقوق، عبد المالك تاشريفت، رفقة وزيرة البيئة وجودة الحياة، كوثر كريكو، على افتتاح الملتقى الوطني بعنوان “جرائم الإستعمار والذاكرة البيئية في افريقيا: نحو قراءة نقدية في الحالة الجزائرية “، اليوم الإثنين، بنادي الجيش ببني مسوس.
تناول الملتقى اشكالية كيفية قراءة الاستعمار الفرنسي في افريقيا من منظور تاريخي بيني مقارن، ليس فقط كواقعة تاريخية وسياسية، وانما أيضا كجريمة ايكولوجية موثقة تركت بصماتها على الانسان والمجال الطبيعي والتنوع الحيوي، وكيف يمكن للنموذج الجزائي أن يشكل مدخلا لفهم هذا الإرث وإعادة قراءته من منظور العدالة البيئية والحق في بيئة سليمة ومستدامة.
ويستهدف الملتقى استحضار الذاكرة الافريقية المشتركة من خلال إبراز عمق ومجد الروابط التاريخية الافريقية، وإبراز الاستعمار الفرنسي كظاهرة تاريخية – بيئية وتوصيف جرائمه في القارة الافريقية وتداعياتها الاقتصادية والبيئية. وأيضا تحليل أثر الاستعمار الفرنسي على النظم البيئية في الجزائر ودول افريقية أخرى، وتعزيز البحث الأكاديمي في مجال التاريخ البيئي والاستعمار.
وتطرق الملتقى الى محاور الاستعمار في إفريقيا : آلياته ، ممارساته، وآثاره على الانسان والبيئة، التجارب النووية والعسكرية الفرنسية في الجزائر : التداعيات الايكولوجية والإنسانية المستمرة، و الوعي المشترك بأهمية تبني رؤية افريقية مشتركة لإعادة قراءة الإرث البيئي الاستعماري في أفق التنمية المستدامة .
ويعتمد الملتقى على مقاربة تاريخية – بيئية تستند الى الوثائق والشهادات عبر تحليل الأرشيف والشهادات من جهة ودراسة اثار التدمير على الغابات والتربة والمياه، وايضا مقاربة مقارنة بين الجزائر وتجارب افريقية أخرى، ومقاربة استشرافية تربط الماضي بالتنمية المستدامة.
تطرق الدكتور مصطفى سعداوي، استاذ في التاريخ الحديث والمعاصر، بجامعة البويرة، في مداخلة بعنوان ” جرائم الاستعمار والذاكرة البيئية في إفريقيا: نحو قراءة نقدية في الحالة الجزائرية”، إلى تحليل العلاقة المعقدة بين الذاكرة البيئية وجرائم الاستعمار في السياق الإفريقي، مع التركيز على الحالة الجزائرية بوصفها نموذجا مكثفًا للعنف الاستعماري، الذي جمع بين السيطرة على الإنسان واستباحة الأرض.
واوضح الدكتور سعداوي، أن الاستعمار لم يكن مجرد مشروع للهيمنة على الإنسان، بل كان إعادة هندسة للمجال الطبيعي عبر سياسات مصادرة الأراضي، واستنزاف الموارد، وتدمير النظم الإيكولوجية المحلية.
واضاف انه من خلال مقاربة تحليلية نقدية، تكشف الدراسة كيف تحولت البيئة إلى أرشيف للذاكرة وإلى شاهد مادي على جرائم الاستعمار الفرنسي، خصوصا في التفجيرات النووية التي جرت في رقان وإن إيكر، كما تسعى إلى إبراز الذاكرة البيئية بوصفها بعدًا جديدًا للعدالة التاريخية، يجمع بين البعد الأخلاقي والحق في بيئة سليمة.
ضرورة إعادة بناء الحقل التاريخي في الجامعات
ودعا المحاضر إلى، ضرورة إعادة بناء الحقل التاريخي في الجامعات الجزائرية والإفريقية على أسس متعددة الاختصاصات، بحيث تتكامل المناهج التاريخية مع العلوم البيئية والأنثروبولوجيا ودراسات الذاكرة.
وتطرق البروفيسور كريم اعراب، استاذ في علوم البيئة والمدير العام للمرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، في مداخلة بعنوان “التقييم البيئي للتلوث التاريخي بالنابالم : تحليل الخصائص الكيميائية والعناصر المغذية في تربتي تبسة والنعامة”، إلى تقييم التأثيرات البيئية لاستخدام سلاح النابالم خلال الفترة الاستعمارية في منطقتين جزائريتين شهدتا عمليات قصف مكثف، هما ولايتا تبسة والنعامة.
وأوضح انه تم في هذا العمل الجمع بين المعطيات التاريخية والشهادات الميدانية من جهة، والتحليل العلمي لخصائص التربة من جهة أخرى، بهدف فهم مدى استمرار هذا التلوث الصامت بعد عقود من توقف استخدام النابالم.
وابرز المحاضر ان الدراسة شملت أخذ عينات ممثلة من أراض متضررة مباشرة وأخرى زراعية، ثم تحليلها مخبريا لقياس تركيز عدد من المعادن الثقيلة المرتبطة بالمكونات الحارقة، على غرار الالومنيوم (AI) النحاس (Cu)، الحديد (Fe)، والمنغنيز (Mn) …
وكشف ان النتائج أظهرت ارتفاعا ملحوظا في تركيز المعادن السامة بالترب المتضررة خاصة في بئر العاتر وعين الصفراء، مع اختلاف سلوك الملوثات بين الترب الكلسية في تبسة التي تثبت العناصر الثقيلة، والترب الرملية في النعامة التي تسمح بانتقالها وزيادة مخاطرها على المياه الجوفية والأنظمة البيئية .
وأضاف أعراب ان هذه النتائج تؤكد استمرارية الأثر البيئي للنابالم وضرورة تبني إستراتيجيات مراقبة وإعادة تأهيل بيئي لحماية صحة الإنسان والموارد الطبيعية في هذه المناطق.
وعرض خلال المحاضرة، شريط وثائقي حول هذه الجرائم، توثق شهادات مجاهدين من عايشوا تلك الفترة، وجرائم فرنسا الإستعمارية بصحراء الجزائر.