في بداية تكوين تفاصيل رحلتي القصيرة على رصيف مكتظ بالراجلين، أجلسُ وعربتي الممتلئة بباقات الورد التي جهزتها باكرا، ومع كل وردة قطفتها دمعة براءة، ففي مفهومي كنت طفلا صغيرا وكأني أقطف نبضة من قلبي
مع كل وردة. أجل أتوجع في تجهيز الباقات، لتكن كل باقة حضتْ بكأسٍ من دموعي تنثر عليها، ويعتقد المشتري أنها قطرات ندى تزيد الورود جمالا وإحساسا. هي فعلا دفعة من أحاسيسي المتدفقة وأنا أحمل مقصا مخصصا لقطع غصن الوردة أو قطعة من قلبي بنفس ذاك الوجع.
كنتُ تائها إلى أن ركنت سيدة لها قدرٌ من الجمال سيارتها أمام حديقتي المتنقلة، نزلت ومع كل هذا الضجيج أسمع طقطقات حذائها بالكعب العالي، أجل هي نفسها كل يوم تقتني مني باقة بلون واحد وتعطيني ثمنا زاخِرا يساوي مقدار كل الورود التي معي.
صباح الخير سيدتي، ها هي باقتك بلونك المفضل كما تحبينها كل يوم. تبتسم و تسلمني المبلغ وأقول دوما هذا كثير سيدتي، فترمقني بنظرات جميلة وتطلب مني الاحتفاظ به كله، أسلمها باقة وردها، تودعني وتركب مركبتها وتنطلق وهنا يبدأ عملي بما أني حصدت مبلغا يغطي تكلفة باقي ورودي، أحمل عربتي المتنقلة و فورا أتجه إلى دار المسنين وأنا مبتهجٌ يافعٌ بالحيوية.
أدخل وأوزع جميع الورود على كبار السن والعجزة مقابل ابتسامات تشرح صدري، ولكن العيون يرفقها موجٌ من السرد المبتل وبعضهم يضمني إلى صدره وأجمل احساس هو لوعة حنين تكفف براءة الصورة، يتملكني شعورٌ غريب حين أصل إلى رجلٍ لا يحمل في تجاعيده فصول الشقاء، دائم الابتسامة، يبدو لي غامضا جدا حتى جلسته منتظمة جدا يتحرك بثبات، لكن لم أسمع يوما صوته أضع بعض الورود بجانبه يكتفي بابتسامة تربكني مع تلك النظرات يزداد غموضا، لم أكن أعرف اسمه، وصدفة سمعت الممرضة تسأله أن يمد ذراعه من أجل قياس ضغطه، مخاطبة إياه بسيدي حسن. ترى ما قصة العم حسن.