بأقلام حرة … كتابة التاريخ في ظل الجزائر الجديدة

بأقلام حرة … كتابة التاريخ في ظل الجزائر الجديدة

بدون معالم تاريخية لن تكون لنا نظرة استشرافية، ولهذا يجب أن يكون التاريخ في قمة الأولويات نتيجة ارتباطه العميق بالأمة، ولنجعل عملية كتابة التاريخ تكريسا للحق في المعرفة لنواكب الجزائر الجديدة ويسترجع التاريخ مكانته الطبيعية التي لطالما انتظرها الجميع بسبب الظروف التي كانت محيطة بعملية كتابة التاريخ والتي كان يغلب عليها الطابع السياسي والإيديولوجي الذي أثّر على مجريات كتابة التاريخ وهذا ما يفسر نوعية الكتابة التي كانت متداولة، ولكن مع مرور الوقت أصبحت مظاهر جديدة في أسلوب الكتابة بسبب التنوع في المصادر والتي أحصيت في الميدان من خلال الدراسات والكتابات المتنوعة التي كانت على شكل مقالات وكتب، هذا ما أحدث طلاقا مع الأساليب الماضية في الكتابة التي كانت في السابق أحادية الجانب.

إن الانتهاكات الصريحة في حق التاريخ وفي حق أسماء مرموقة في تاريخ الحركة الوطنية الثورية الاستقلالية، أجبر المهتمين والمختصين في التاريخ على التدخل لتغيير أسلوب الكتابة حتى تأخذ مسارا آخرا، وهذا من موقع المسؤولية ومن صميم مهام الباحث في التاريخ العمل على إنصاف الحقائق التاريخية وإلقاء الضوء على مختلف المحطات والمراحل التاريخية، وعن موقف مصالي الحاج من الثورة من خلال توسيع هامش البحث الذي يهدف إلى وضع وسائل المعرفة بين أيدي الطالب كالأرشيف الذي لطالما اشتكى هذا الأخير من نقصه، وحتى لا يبقى التاريخ محصورا في زاوية واحدة.

ولمعرفة موقف مصالي الحاج من الثورة المسلحة والذي لا يزال يحدث جدلا واسعا، هذا ما يجعل الباحث يعتمد على أرشيف التاريخ حتى ينظر لهذا الأخير بالمعنى العلمي ويكتب التاريخ بشكل واضح، ومن ضمن هذا الأرشيف التقرير الذي بعث به العقيد شوان الذي كان رئيس الاستعلامات العامة في مقدمة النشرة السياسية المسلمة إلى الحاكم العام ليونارد بتاريخ 17 أوت 1954 بعد انعقاد المؤتمر فوق العادة في هورنو ببلجيكا بتاريخ 14،15 و 16 جويلية 1954 لحركة انتصار الحريات الديمقراطية بعدما عاش الحزب أزمة بين المركزيين والمصاليين، وفيه اتخذ قرار الدخول في الكفاح المسلح وانتخاب مصالي الحاج الذي كان آنذاك في منفاه بمدينة نيور رئيسا مدى الحياة، وحين أبلغ المؤتمرون مصالي الحاج بهذا الانتخاب، رفض أن يكون رئيسا مدى الحياة وسلم الحكم للمجلس الوطني الثوري الذي أنشئ في 28 جويلية 1954.                                                                     حيث جاء في محتوى تقرير العقيد شوان الذي بعثه للحاكم العام ليونارد:”أن انشقاق حركة انتصار الحريات الديمقراطية يبدو نهائيا. فقد وقع الانفصال بين الكتلتين ولكل واحدة لجنتها المركزية وهما يتبادلان التهديد بالوصول إلى استعمال الأيدي أن كتلة مصالي وهي بروليتارية أكثر وأقرب لانشغالات المناضلين، يمكن أن تتغلب رغم البراعة السياسية لأنصار لحول”. وفي الفصل 11 تحت عنوان “حركة انتصار الحريات الديمقراطية- “كتلة مصالي”، كتب العقيد شوان: “قد يكون مصالي قد قرر توجيه الحزب نحو السرية ووضع (مخطط عمل مباشر) يتكون من مجموعات قتالية مكرسة للعمل الإرهابي”.                                                                                                        إن هذا التقرير قد أشار إليه المؤرخ بن يمين سطورة في كتابه “مصالي الحاج رائد الوطنية”، وفي سياق مماثل والذي يصب في تقديم معلومات إضافية التي يجب أن تتخذ بعين الاعتبار كشهادات كل الذين عايشوا وصنعوا التاريخ، منها شهادة الرئيس الأسبق أحمد بن بلة رحمه الله التي أدلى بها بعد اللقاء الذي جمعه بالدكتور منصور بن لرنب رحمه الله سنة 1990 بسويسرا حول شخصية مصالي الحاج وموقفه من الثورة المسلحة التي تم نشرها في أحد المقالات من السلسلة التي نشرت في الصحافة الوطنية سنة 2000 حيث أدلى المرحوم أحمد بن بلة بالتصريح التالي: يا ليتني أستطيع أن أرسم حدود عبقرية مصالي الحاج والجهاز العسكري الذي بناه وبقي يشرف عليه إلى غاية اندلاع ثورة 1 نوفمبر 1954، إن مصالي الحاج ليس بأب الحركة الوطنية الجزائرية فحسب، بل أب الحركة المغاربية ككل.

ويبقى الباب مفتوحا أمام الباحثين لمواصلة التنقيب لاكتشاف جوانب أخرى غير معروفة من التاريخ، الغرض منها الحصول على مكاسب علمية تمهد الطريق للمصالحة مع التاريخ في عهد الجزائر الجديدة.

ياسين بن جيلالي