ظاهرة ولّدتها الظروف الصعبة

عمالة الأطفال في الجزائر.. تضارب بين الإحصائيات الرسمية وتقارير الجهات غير الحكومية

عمالة الأطفال في الجزائر.. تضارب بين الإحصائيات الرسمية وتقارير الجهات غير الحكومية

في الوقت الذي تقلل فيه الجهات الرسمية ممثلة في وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي من تفشي عمالة الأطفال وتؤكد على ضآلة نسبتها، تتعالى أصوات المنظمات غير الحكومية الداعية لوضع حد لها، كونها تنتهك حقوق الأطفال وتنافي المواثيق الوطنية والاتفاقات الدولية التي وقّعت الجزائر عليها.

تحيي الجزائر على غرار دول العالم اليوم، اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال الذي اعتمد في سنة 2002، والهادف للتقليل من هذه الظاهرة التي تظل مستوياتها عالية في الجزائر وكذا الكثير من الدول العربية.

 

..الظاهرة مسؤولية الجميع

يحمل المختصون مسؤولية تزايد الظاهرة إلى جهات متعددة وليس للجهات الرسمية فقط، فمساهمة المجتمع ككل بما فيه الجمعيات والمواطنين في هذا المجال، خاصة بعد التردد في الإخطار والتبليغ، حيث أكد وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي السابق، أن مصالحه تعمل بشكل متواصل لمحاربة عمالة الأطفال بالتنسيق مع مختلف القطاعات المعنية من خلال لجنة الوقاية ضد عمل الأطفال.

وتجدر الإشارة، إلى أن أرقام الوزارة عن حجم عمالة الأطفال في الجزائر لا تلقى تصديقًا من قبل المنظمات المهتمة بحقوق الطفل التي لطالما شككت في ذلك، وتعتبر أن الظاهرة منتشرة بشكل أوسع مما تتحدث عنه الحكومة، حيث كشف المسؤولون مسبقا، أن الدولة ترصد بشكل دائم مراقبة سن العمل القانوني، وذاك من خلال عمليات المراقبة اليومية والتحقيقات السنوية التي تنجزها بانتظام للسهر على احترام مدى تطبيق القانون في هذا المجال، مؤكدين أن الجزائر تضمن تمدرس الأطفال من 6 إلى 16 سنة بصفة مجانية وإجبارية.

 

أرقام الدولة.. إحصاءات لا تلقى القبول ولا التصديق

غير أن أرقام الوزارة عن حجم عمالة الأطفال في الجزائر لا تلقى تصديقًا من المنظمات المهتمة بحقوق الطفل بحيث أن الواقع يثبت أرقاما أكثر من تلك التي يُحدّدها مسؤولي الدولة.

وقال رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي في تصريح سابق له، أن الوصول إلى تحديد الإحصاءات الحقيقية لعمالة الأطفال في الجزائر تستدعي وجوبًا التنسيق مع المجتمع المدني بمختلف مكوناته، لأن النسبة التي تقدمها وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي سنويًا لا تعكس الوضع الحقيقي لهذه الظاهرة.

ويعيب المتحدّث على اللجنة متعددة القطاعات المكلفة برصد عمالة الأطفال، أنها تعمل استنادًا إلى الأرقام التي تقدمها مفتشيات العمل التي تراقب القطاع الاقتصادي المنظم، دون إشراك المجتمع المدني، وهو ما جعل الأرقام المتوصل إليها لا تخرج عن نطاق الشركات والمؤسسات الخاضعة للرقابة القانونية، في الوقت الذي يشكل فيه الإطار غير المنظم كالأسواق الفوضوية والشواطئ والمزارع والورشات وحتى التسول، الفضاء الأكثر استقطابا وجلبا لهذه الفئة نتيجة عدة عوامل كالفقر والتسرب المدرسي.

 

الاستغلال الاقتصادي للأطفال مسؤولية الجميع

كما أن مسألة الاستغلال الاقتصادي أشمل من عمالة الأطفال لأن هذه الأخيرة تتم فقط في ميدان العمل المنظم الذي يخضع لمراقبة مفتشية العمل، في حين أن الاستغلال الاقتصادي يتم في كل زمان ومكان.

وتُعد عملية حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي مسؤولية المجتمع ككل وتقتضي تضافر الجهود خاصة أن بعض حالات الاستغلال الاقتصادي للطفل يمكن أن تحدث في أماكن بعيدًا عن الأنظار، مثل استغلال القاصر في عمل التنظيف بالبيوت أو في ورشات عمل في السوق الموازي، مما يقتضي مساهمة المواطن في عمليات التبليغ الذي يعد وسيلة ضرورية في مجال المكافحة بحيث يسمح بالتدخل في الوقت المناسب لحماية هذه الشريحة من الأخطار التي تنجم عن هذا الاستغلال.

 

ترسانة قوانين وحديث عن تراجع نسبة العمالة

لكن رغم هذا الانتقاد الذي يوجهه المهمتون بشؤون المجتمع المدني، هناك حديث عن تسجيل تراجع في نسبة انتشار ظاهرة تشغيل الأطفال بالجزائر، وذلك بسبب ارتفاع الشريحة العمرية بين 16 و25 سنة التي تعتبر فئة باحثة عن العمل، حيث أدى توفرها إلى التوجه نحوها بدل الاستعانة بالأطفال دون الـ16 سنة بالنظر إلى قوتهم البدنية مقارنة بصغار السن وكذا تدني تكلفتهم، حيث تظل هي الأخرى عمالة رخيصة.

كما أنه توجد ترسانة قانونية في الجزائر تمنع تشغيل الأطفال، لكن ذلك لم يفلح في استئصال الظاهرة، بحيث يستمر الكثير من الأطفال في العمل ولو بصورة جزئية أي بعد ساعات الدراسة أو أيام العطل. ويلاحظ أن لجوء الطفل إلى العمل ولو بصفة جزئية خارج أوقات الدراسة لمد يد العون لأسرته الفقيرة يكون له وقعه السلبي على مساره ومستواه الدراسيين، وبرأي المراقبين، فإنه في غياب دراسات دقيقة عن عمالة الأطفال في الجزائر سواء من الجهات الرسمية أو المنظمات غير الحكومية يبقى الحديث عن ارتفاع أو انخفاض مجرد آراء ومواقف أكثر من منه تعبير حقيقي عن مدى انتشار الظاهرة في أرض الواقع. ومن الملاحظ أن بعض التجار يستغلون الأطفال الذين يعملون معهم حيث تتلقى الهيئة الوطنية لحماية الطفولة يوميًا عبر رقمها الأخضر (1111) إخطارات عن 3 إلى 4 حالات استغلال اقتصادي، بعضهم يقومون ببيع منتجات أو مواد تجارية في الشوارع، ويكونون في وضعية خطر تستوجب التدخل لحمايتهم. ويُشار أن القانون الجزائري شدد العقوبات على كل شخص مسؤول عن الاستغلال الاقتصادي للطفل حسب المادة 139 التي تنص على أنه يعاقب بالحبس من سنة إلى 3 سنوات وبغرامة مالية كل من يستغل الطفل اقتصاديًا، وتضاعف العقوبة عندما يكون الفاعل أحد أصول الطفل أو المسؤول عن رعايته.

 

الدخل الفردي أهم مسببات الظاهرة

الظاهرة مرتبطة بانخفاض الدخل الفردي للجزائريين الذي لا يزال يسير في هذا الاتجاه مع انخفاض قيمة العملة المحلية وخطة التقشف التي رفعت قيمة البطالة، وهي مؤشرات تدفع أطفال العائلات المعوزة إلى التوجه لسوق العمل لمساعدة عائلاتهم، وهو ما يظهر سنويًا في انخفاض نجاح الأطفال الذكور في الامتحانات الدراسية بسبب توجههم لسوق العمل وتحمل مسؤولية إعالة أسرهم مع آبائهم في سن مبكر حتى ولو كان على حساب مسارهم التعليمي الذي لا تصبح له قيمة عند هؤلاء الأطفال عندما يتعلق الأمر بتوفير أدنى مستويات العيش الكريم.

لمياء.ب