انتشار الظواهر السلبية يهدد تماسكها وارتباطها .. الأسرة الجزائرية بين مواجهة الثقافة الغربية والحفاظ على الهوية

elmaouid

تعد الأسرة نواة المجتمع وجوهره، فبتماسكها و ارتباطها يصلح المجتمع و بانشقاقها و انفلاتها يفسد المجتمع، و الأسرة الجزائرية على غرار الأسر العربية المسلمة تعيش وسط تجاذبات كثيرة و ظواهر أصبحت تهدد

كيانها، فصارت تعرف تحديات يومية للمحافظة على ترابطها، و من بين أهم ما يهدد الأسرة الجزائرية هي الثقافة الغربية التي جلبت ظواهر سلبية عصفت بالمجتمع، إلى جانب العولمة التي تهدف إلى القضاء على بنية الأسرة وهدمها واقتلاعها ومحو خصوصيتها المميزة على المستوى الأسري، والقضاء على الإسلام من خلال تفكيك الأسرة المسلمة، حيث كانت البداية بالمرأة باعتبارها الأساس في البناء الأسري.

 

الإعلام والأنترنت المتهمان الأساسيان

تمثل وسائل الإعلام و الشبكة العنكبوتية الأنترنت من أبرز تحديات تماسك البناء الأسري، خاصة مع تهافت الشباب و الفتيات على مشاهدة الأفلام و البرامج الأجنبية في التلفزيون والأنترنت، حيث تنشر هذه القنوات الفضائية الإنحلال الأخلاقي و الظواهر الإجتماعية السلبية التي تدعو إلى التمرد على القيم الدينية والعادات الإجتماعية السائدة، و بالتالي تفشي الرذيلة والتشكيك و انحلال الأسرة التي كان أساسها التماسك والترابط بين أفرادها بوجود صلة الرحم وبر الوالدين واحترام الكبير والعطف على الصغير و الحب والرعاية و الإحترام والتقدير.

وتشير الإحصائيات إلى أن نسب الظواهر الإجتماعية التي تؤثر على الأسرة في تزايد مستمر من بينها نسب الطلاق، حيث وصلت إلى 55 ألف حالة طلاق و 20 ألف قضية خلع حسب آخر إحصائيات وزارة العدل، إلى جانب 07 آلاف حالة عنف ضد المرأة

و1000 حالة عنف ضد الأطفال وكذا 7 آلاف حالة اعتداء جنسي على الأطفال سنويا، حيث تبرز هذه الأرقام الخطر الكبير الذي يهدد الأسرة الجزائرية كل يوم.

 

المختص في علم الإجتماع خلفاوي محمد لـ “الموعد اليومي”: “الأسرة الجزائرية مقطوعة الأوصال وحاضنة لأغلب الآفات الاجتماعية التي تعرفها الأسر العالمية”

 

أجمع أساتذة في علم الإجتماع على أن الأسرة الجزائرية تعيش بين تجاذبات و تناقضات عديدة أصبحت تهدد كيانها وترابطها وتقاليدها وهذا بسبب الثقافة الغربية التي زحفت على المجتمع الجزائري، وأدت إلى تفكك العديد من الأسر وفقدانها لمرجعيتها الثقافية والدينية والأخلاقية، حيث يقول المختص في علم الاجتماع خلفاوي محمد إن الأسرة الجزائرية مقطوعة الأوصال وحاضنة لأغلب الآفات الاجتماعية التي تعرفها الأسر العالمية، أهمها ارتفاع نسبة الطلاق والعنوسة نتيجة الشقاق الذي ضرب الأسرة الإسلامية، وتمرد المرأة المسلمة عن دينها الذي نصبها عمادا أولا للأسرة. في حين يتحمل المجتمع جزءا من المسؤولية بسبب النظرة السلبية التي لا زال يحملها ضد المرأة، لكن في نفس الوقت هناك العديد من الحالات في الأسر يكون سببها المرأة التي تتمادى في إهمال أسرتها خاصة المرأة العاملة التي تصبح غير قادرة على التكفل بمهمة تربية الأولاد بشكل صحيح، مما يؤدي إلى تفكك الأسرة، زيادة على هذا أضاف المتحدث أن الفضائيات والأنترنت يعتبران من الأسباب المباشرة لتأثر الأسر والأفراد بالثقافة الغربية التي تدخل عبرهما والتي لا تشجع على الإطلاق على الترابط الأسري و تساعد على نشر ظواهر سلبية في المجتمع الجزائري كعقوق الوالدين وإهمال الأبناء.

 

ليلى دريدي لـ “الموعد اليومي”: “العنوسة وغزو الدراما التركية من أكثر الأخطار المحدقة بالأسرة الجزائرية”

قالت المختصة في علم الإجتماع ليلى دريدي إن ظاهرة العنوسة أصبحت من المخاطر المحدقة التي تهدد استقرار وثبات الأسرة الجزائرية، نتيجة التنامي الرهيب لها خلال السنوات الأخيرة، حيث تشير الأرقام إلى تزايد ظاهرة العنوسة، وأرجعت المتحدثة ذلك إلى انشغال الكثير من النساء بالعمل والبحث والدراسة وتجاهل دور الأسرة، إضافة إلى دور الأفلام والمسلسلات التي تبثها القنوات الغربية، حيث تعتبر سموما تهدد الأسرة الجزائرية وارتباطها، وحذرت أيضا من تقليد هذه المسلسلات خاصة التي تعرف رواجا كبيرا في المجتمع الجزائري كالمسلسلات التركية التي لا تعكس حقيقة المجتمع التركي وإنما هي موجهة للتسويق والاستهلاك.

 

رئيسة المرصد الجزائري للمرأة شائعة جعفري لـ “الموعد اليومي”:

“المجتمع المدني يطمح إلى تحقيق مكاسب أخرى في مجال حماية الأسرة الجزائرية”

 

أكدت رئيسة المرصد الجزائري للمرأة شائعة جعفري في اتصال بـ “الموعد اليومي” أن هناك استراتيجية وطنية لحماية الأسرة، كما تعد ملفات الأسرة من أولويات الدولة و الدليل على هذا مجهودات قطاع التضامن الوطني للأسرة و قضايا المرأة، لكن تبقى هناك فجوات بين القانون وتطبيقه خاصة و أن الأسرة الجزائرية تعيش بين أمواج كبيرة قادمة من الغرب عن طريق ثقافة جديدة دخيلة أصبحت تهدد هوية الأسرة الجزائرية، وأضافت أن المجتمع المدني يطمح في مكاسب أخرى لحماية الأسرة الجزائرية، وقالت العضو الوطني للأسرة وقضايا المرأة سابقا إن الوزارة المنتدبة السابقة للأسرة دمجت في الإستراتيجية الوطنية العديد من القطاعات لتمثيل هذه الخلية الأساسية و دراسة قضاياها، مؤكدة على أن المرأة هي صانعة الرجال.

و أضافت عضو المجموعة الإقليمية للأمم المتحدة أن هناك معايير أساسية لتكوين الأسرة، أهمها الرابطة القانونية والشرعية بين الرجل والمرأة، إضافة إلى الرابطة البيولوجية المتمثلة في الأبناء و الرابطة الوظيفية العضوية و هي الدور التربوي.

وقالت إن تحديد مفهوم الأسرة ينطلق من المرأة التي تعتبر المؤسسة التربوية الأولى في التنشئة الاجتماعية.

من جهة أخرى نوهت جعفري بضرورة خضوع كل العلاقات بين الأفراد لأحكام قانون الأسرة.

 

المحامية سايشي لامية لـ “الموعد اليومي”: “مواد الدستور، قانون الأسرة وقانون العقوبات تحمي الأسرة”

قالت المحامية لامية سايشي في اتصال بـ “الموعد اليومي” إن هناك موادا في الدستور و قانون الأسرة و كذا قانون العقوبات تحمي الأسرة و تحفظ العلاقات بين الأفراد، حيث جاء قانون الأسرة بمواد عديدة تدخل في إطار هذه الحماية، أهمها ما تعلق بالصلح قبل الطلاق في المادة 49 والتي حددت مدة ثلاثة أشهر كفرصة لتصالح الزوجين و الحفاظ على الروابط الأسرية، كما جاء في المادة 50 أنه إذا تم الصلح في تلك الفترة، فلا يحتاج الزوجان إلى تجديد عقد زواجهما و هذا تسهيلا للصلح.

أما فيما يتعلق بإثبات النسب، فإن المشرع حريص على الأنساب من خلال المواد 40 التي تحدد صحة النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار أو البينة المتمثلة في الشهود و كذا المدة 46 التي تمنع التبني و المادة 45 التي تمنع التلقيح الاصطناعي إلا إذا كان هناك زواج شرعي لكي لا يكون هناك اختلاط في الأنساب.

من جهة أخرى، قالت المحامية إن القانون حدد سن الزواج بـ 19 بالنسبة للمرأة، غير أن القاضي يرخص الزواج إذا رأى بأن فيه مصلحة للفتاة ومن ناحية النفقة، فقد أوجبت النفقة على الزوج، حيث تجب نفقة الأصول على الفروع لكي لا يحدث انشقاق في الأسرة خاصة بين الأبناء.

وفي قانون العقوبات، فقد جاء بمواد تخص الحماية و الصفح عن الضحية في الجرائم الأسرية، حيث يضع هذا الصفح حدا للمتابعة القضائية من أجل الحد من العداوة بين أفراد الأسرة الواحدة و الحفاظ على تماسكها، فالنيابة العامة التي تعتبر ممثلة الحق العام والمجتمع لا يكون لها حق المتابعة إلا في حالة تقديم شكوى من طرف الضحية خاصة فيما يتعلق بعدم دفع النفقة، عدم تسليم الأطفال، جريمة الزنا وكذا السرقة بين الأقارب، حسب المادة 65 من قانون العقوبات و بهذا يساهم في التقليل من الخصومات

بين أفراد الأسرة.