انتشارها ضرب الهدف الأسمى للمؤسسات التعليمية… متوسطات وثانويات تتحول إلى بؤر إدمان على المخدرات!! – ناشطون يدعون إلى تكثيف العمل التوعوي وتفعيل دور المنظومة الاجتماعية

elmaouid

ظلت المخدرات لوقت ليس ببعيد تقتصر على المراهقين، خاصة منهم الذين يعانون من ضغوطات نفسية ومشاكل عائلية، لكن وبعد الانفتاح الناتج عن التطور التكنولوجي الذي جعل العالم قرية صغيرة، انتقلت هذه الآفة لتنتشر بالمتوسطات التعليمية التي أصبحت وسطا لترويج المخدرات، ما أثار القلق والخوف لدى الأسر والمربين على حد سواء على مصير التلاميذ الدراسي وتحصيلهم العلمي، ومستقبلهم ككل وتضرب في الصميم

الهدف الأسمى للمؤسسات التعليمية في التربية والتكوين.

 

30 بالمائة من تلاميذ المتوسطات والثانويات مدمنون على المخدرات

كشفت دراسة جديدة أعدتها الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث “فورام” السنة المنصرمة، أن 30 بالمائة من تلاميذ المتوسطات والثانويات من الجنسين، مدمنون على المخدرات، بمختلف أشكالها، وشملت الدراسة قرابة 9000 تلميذ ينحدرون من 15 بلدية بالعاصمة، على غرار كل من الحراش، براقي، الكاليتوس، سيدي موسى، باش جراح، درقانة، باب الزوار، الدار البيضاء، رويبة، عين طاية..

وتمثلت الدراسة في مجموعة من الأسئلة الفردية التي وجهت إلى التلاميذ، تتمحور حول معرفة ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حيث أجاب 34  بالمائة من التلاميذ أنهم يتعاطون التدخين، وبعدها استهلكوا المخدرات تدريجيا وبشكل جماعي، والغريب حسب الدراسة، أن استهلاك المخدرات ينتشر بين الجنسين، حيث أكد أن7 بالمائة من الذكور في المتوسطات يستهلكون المخدرات، وهو ما أكدته أيضا 2 بالمائة من الإناث، كما أكد 18 بالمائة من الثانويين استهلاكهم وإدمانهم على المخدرات، وهو ما صرحت به أيضا 5،2 بالمائة من الإناث، وبمجموع النسب خلصت الدراسة إلى أن 30 بالمائة من التلاميذ مدمنون على المخدرات، وهذا ما وصفته بالأمر الخطير جدا، الذي يتطلب تحركا عاجلا على جميع الأصعدة.

وعن أنواع المخدرات التي يستهلكها التلاميذ، كشفت الدراسة أنها كثيرة جدا على غرار  “الزطلة، مدام كوراج، الحمرا، لارطان، باتمان، سوبرمان، مادام فارماسيان، كوكايين، إكستازي….”.

 

تلاميذ المتوسطات.. هدف مروجي المخدرات

يمثل الإدمان على المخدرات أكبر نسبة من مجموع القضايا المطروحة في المحاكم نظرا لنتائجه الوخيمة على كافة الأصعدة، خاصة وأن العصابات المروجة للمخدرات صارت تستهدف ضحاياها في المؤسسات التربوية، لتقدم لهم السموم القاتلة على شكل هدية مجانية إلى حين أن تضمن بيعها، فيسقط العديد من المراهقين في شباك الإدمان الذي يعبر في أحيان كثيرة عن الهروب من وسط أسري متصدع أو عن حاجات لم يتمكن المحيط الاجتماعي ككل من إشباعها.

ووعيا منهم بخطورة الظاهرة، ينادي العديد من المختصين والخبراء المهتمين بشؤون المراهقين إلى ضرورة الإسراع في تدارك الاستفحال المثير للمدمنين على المخدرات في الوسط المدرسي، من خلال تفعيل دور الإرشاد النفسي وسط المراهقين للحيلولة دون تضليلهم ولاحتواء انشغالاتهم حتى لا تكون سببا في التسرب المدرسي أو الجنوح، وفي هذا الصدد يجمع العديد من المختصين النفسانيين على أن غياب الاتصال داخل الأسرة من أهم الأسباب التي تجعل الشباب يرتمون في أحضان الشارع أو ذلك الفضاء الذي يمكنه سد ثغرة الفراغ، ليبدأ عندئذ مسلسل الخطر المعنوي إثر مخالطة عصابات السرقة والترويج للمخدرات، كما تُظهر البحوث الميدانية في هذا المجال أن بعض عصابات الإجرام تعتمد على التلاميذ المتسربين في بيعها خارج أسوار المدرسة لأشخاص يتم استهدافهم لاسيما أولئك الذين يعانون من مشاكل اجتماعية أو اقتصادية.

 

الوسط المدرسي أهم فضاء تُستهدف فيه الفتيات

يعتبر الوسط المدرسي أهم فضاء تستهدف فيه الفتيات بالمخدرات، وهو ما تؤكده الإحصائيات ويثبته الواقع الذي لن يصعب اكتشافه من خلال زيارة ميدانية لمتوسطات العاصمة وحتى بعض المدن الكبرى للبلاد، وهو ما اكتشفناه خلال زيارتنا لمتوسطة بأول ماي بالعاصمة، حيث التقينا بمريم تدرس بالثالثة متوسط، ويبدو من تقاسيم وجهها أنها لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها، سمعنا حديثها مع صديقاتها فعرفنا أنها ما نريد اكتشافه فبادرناها بالحديث والسؤال وتفاجأنا بتعاونها معنا دون أدنى حرج، ولم تنزعج من الحديث عن إدمانها “لست أنا فقط من تتعاطى المخدرات، يوجد العديد مثلي في المؤسسة، فأنا اخترت في البداية التدخين باعتباره حرية شخصية تحقق أعلى درجات التطور ونوعا من البريستيج، وتحول بعد تذوقي لأنواع مختلفة من المخدرات إلى إدمان حوّل حياتي إلى كابوس دائم، بسبب حاجتي الملحة للمال، ما تسبب في عدة مشاكل، إضافة إلى صحتي التي تنخرها السموم”، أما صديقتها نسرين فبادرت بالحديث دون أن نسألها وكأنها كانت تدرك أن ملامحها توحي بقصتها، ورغم أنها لم تتعد السادسة عشرة إلا أنها من المدمنات المحترفات وفي فترة وجيزة كانت بدايتها عند إقامتها علاقة مع أحد الشباب الذي عرض عليها أول سيجارة التي رفضتها في البداية قبل أن تلتقطها بعد إلحاحه واستهزائه بها، قالت إنها في البداية أصيبت بسعال شديد لكن بعد مدة قصيرة تعود جسمها، وفي ردها على سؤالنا إن كانت تعتزم التوقف عن الإدمان، قالت إنها حاولت لكنها لم تستطع خاصة وأن عائلتها لا تدري بإدمانها، فاضطرت للمواصلة حتى لا تلاحظ عائلتها ما سيحدث لها في حالة محاولتها الإقلاع عن هذه العادة، أما ماريا التي كانت برفقتهما، فقصتها تختلف كثيرا عنهما، فهي لم تكن تعلم وهي تمد يدها لأخذ قطعة شوكولاطة من زميل لها، كانت بداية لقصة أخرى في حياتها، حيث كانت تلك القطعة مخدرة، ففي الوقت الذي كانت مع زميلها يستفيدان من الدروس الخصوصية الليلية، أعطاها زميلها قطعة الشكولاطة لتسقط بعد دقائق مغميا عليها وتم نقلها إلى مستشفى مصطفى باشا الجامعي، حيث وقف الطبيب الرئيسي على حالتها وأخبر عناصر الأمن الوطني الذين بعد البحث والمراقبة تمكنوا من إحكام قبضتهم على تاجر المخدرات الذي جعل محيط المدارس مجالا لترويج سمومه، كانت ماريا أكثر حظا، وتم إنقاذها قبل أن تتحول إلى ضحية من ضحايا الإدمان كمنال التي مازالت تزور الطبيب المعالج بمركز علاج الإدمان بمدينة تيبازة، منال التي تتابع دراستها بإحدى المدارس الخاصة بالجزائر العاصمة، لم تتصور يوما أنها ستتناول المخدرات، التي أصبحت مدمنة عليها بفعل الرفقة السيئة، كانت صديقتها هي من أسقطتها في حباله، لتصير حبيسة البحث عن النقود لشراء المخدرات بدل الاهتمام بدراستها، ففي حفلة عيد ميلاد صديقتها بدأ فضولها يدفعها إلى تجريب طعم السيجارة الذي تحول بعد ذلك إلى المخدر، الذي كانت تدخنه صديقتها التي كانت تدعوها باستمرار إلى تذوقه، فاستسلمت للأمر الواقع وتناولته، ومنذ ذلك الوقت ودراستها في تراجع مستمر، هذا ما أثار انتباه والديها اللذين بعد سلسلة بحث اكتشفا أمر إدمانها، فكان يوما مازالت تتذكر تفاصيله المريرة، حيث كاد والدها أن يزهق روحها لولا تدخل والدتها التي أنقدتها من موت محقق، لحظة لامت نفسها لوما فظيعا، فقررت بدء علاج الإدمان الذي أخذ منها وقتا طويلا كي تعود إلى حالتها الطبيعية.

كما أخبرتنا والدة تلميذة تعمل هي الأخرى أستاذة بالطور الثانوي، أن بعض التلميذات أصبحن يروِّجن الحبوب المهلوسة لزميلاتهن، بعدما يدّعين لهن أنها حبوب لتخفيف آلام العادة الشهرية، ومحدثتنا اكتشفت الأمر بعدما أحضرت ابنتها التلميذة هذه الحبوب إلى البيت بعفوية، وأضافت “أصبحت تصرفات بعض البنات في المدارس أكثر جرأة من الذكور، فمرة دخلتُ قسمي للتدريس فتفاجأت بتلميذة تضع حلوى “الكوجاك” في فمها ولم تُعر دخولي أي اهتمام، وعندما طلبت منها رميها، قالت “راني قريب نكمّلها”.

 

“لكستا” “لرطان” “مدام كوراج”…تغزو المتوسطات

“لكستا” “مدام كوراج”…هي أسماء مخدرات تروج في المتوسطات ،التي تحولت إلى مراكز ترويج بعد ما كانت مراكز للتربية و التعليم ، و هو ما اكتشفناه بعدما قادنا بحثنا إلى متوسطة أخرى ،و هو تماما ما كشفته لنا السيدة حفيظة التي تشغل منصب مراقبة عامة في هذه المؤسسة لأكثر من عشر سنوات، التي أكدت لنا أنه يوجد العديد من الحالات المتعلقة بإدمان المراهقين على المخدرات بعدما استفادوا منها مجانا داخل المؤسسة ، وبعد التحقيق المعمق في القضية، بالتنسيق مع مصالح الأمن، تبين بأن العديد من شبكات المتاجرة بالمخدرات تعمل على الترويج لأقراص مخدرة توضع داخل علب حلويات توزع على التلاميذ مجانا، وتوظف هذه الشبكات مراهقين يدرسون في المتوسطات مقابل مبالغ مالية معتبرة شهريا.

وأضافت المتحدثة، بأن التلاميذ عندما يتعوّدون على هذه الحلويات المخدرة والتي تتميز بتأثيرها السريع سيزيدون في الطلب عليها، وعندها تباع لهم، فيلجأ العديد منهم إلى سرقة المال من الأولياء لشراء هذه الحلويات المخدرة، ومن لم يسعفه الحظ يلجأ إلى سرقة زملائه في الدراسة والاعتداء عليهم.

وأوضحت السيدة حفيظة بأن الإدمان على المخدرات داخل المؤسسات التربوية بات من أكثر أسباب الرسوب المدرسي لتعلق التلميذ بمنحرفين همهم الوحيد ربح المال بغض النظر عن الوسيلة.

 

عبد الرحمن عرعار رئيس شبكة “ندى”: العمل التوعوي ضروري للحد من خطر المخدرات على المدرسة

تأسّف عبد الرحمان عرعار لما تشهده المدارس اليوم من انحرافات وتجاوزات بما في ذلك تعاطي السموم والمخدرات من طرف الطلبة والتلاميذ، وقال إنّ الظاهرة تتم بفعل فاعل، حيث توجد عصابات وشبكات تستغل الحرم المدرسي للترويج لهذه المخدرات وتوقع بالتلاميذ حتى يصبحوا مدمنين حينها يتم جذبهم وزجّهم في المتاجرة والتعاطي.

في ذات الشأن حمّل محدّثنا المنظومة التربوية كامل المسؤولية لما يحدث من انفلات داخل المؤسسات التربوية بما في ذلك المخدرات، وأرجع ذلك إلى غياب بوادر التعاون والتضامن بين المؤسسات الأخرى وهذه المؤسسة، بالإضافة إلى انعدام الرقابة وضعف أداء المساعدين والأعوان التربويين، ناهيك عن افتقار المدارس للمرافق التي من شأنها نشر الوعي وتنشيط التلاميذ فيما ينفع.

وفي حديثه عن دور الأسرة، قال إن العائلة اليوم أصبحت مغلوبة على أمرها، فحتى لو قامت بدورها على أكمل وجه، فلابد من التنسيق مع مؤسسات أخرى خاصة المدرسة، فضعف المتابعة اليوم جعل الأطفال ضحايا وحتى الشارع أصبح الجاني الرئيسي في كل قضايا الانحراف التي تطال الأطفال أو الطلبة المتمدرسين.

 

عبد الكريم عبيدات: الانقطاع عن المنظومة الاجتماعية وراء الظاهرة

أشار عبد الكريم عبيدات الخبير الدولي والمستشار في الوقاية الجوارية ورئيس المنظمة الوطنية لرعاية الشباب إلى وجود أكثر من 300 ألف مدمن من فئة الشباب تتراوح أعمارهم ما بين 15 و35 سنة أخذت البنات أو النساء نسبة 6 بالمائة منهم، كما يرى أن انسياق المراهقين أو الأطفال المتمدرسين وراء هذه الآفة راجع إلى جملة من العوامل والأسباب تندرج كلها في إطار الانقطاع مع المنظومة الاجتماعية.

وقدّم عبيدات شرحا لما سمّاه انقطاعا مع المنظومة الاجتماعية، حيث قال إنّ من بين أكثر الأسباب التي تجعل الطفل أو التلميذ المتمدرس يقدم على التعاطي هو استقالة الأولياء أو عدم تأديتهم لدورهم بشكل كامل، وهو الأمر الذي يجعل القيم التربوية منكسرة داخل العائلة ولا يوجد من يعوّضها بعد ذلك، وأضاف أسبابا أخرى تمثّلت في التفكك الأسري، الفقر، الضيق والإهمال.

التسرّب المدرسي من جهته ساهم بشكل كبير في استفحال ظاهرة تعاطي المخدرات، حسب ما أكّده لنا ذات المتحدث بحكم أنه يتم تسجيل ما يعادل 500 ألف شاب وشابة مطرودين من المدارس كلّ سنة، يجدون أنفسهم في فراغ رهيب لأن المؤسسات التربوية تخلت عنهم ومراكز التكوين لا يمكن أن تستقبلهم لأنها تشترط سنّ السابعة عشر، ومن هنا يقول عبيدات يبدأ الاحتكاك مع الشارع.