لقد نبهنا الله تعالى في غير ما آية من القرآن الكريم إلى أهمية ومكانة واختيار الصديق، فقال سبحانه وتعالى: ” الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ” الزخرف: 67، قَالَ الإمامُ ابنُ كثير رحمه الله: قَوْلُهُ تعالى:” الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ” الزخرف: 67؛ أَيْ: كُلُّ صَدَاقَةٍ وَصَحَابَةٍ لِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدَاوَةً إِلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ دَائِمٌ بِدَوَامِهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ ” إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ” العنكبوت: 25. وها هو الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن أفضل الأصدقاء عند الله أفضلهم لصاحبه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو بنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِه” رواه الترمذي، قَالَ الإمامُ المباركفوري رحمه الله: “قَوْلُهُ: “خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ”؛ أَيْ: أَكْثَرُهُمْ ثَوَابًا عِنْدَ اللَّهِ، “خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ”؛ أَيْ: أَكْثَرُهُمْ إِحْسَانًا إِلَيْهِ وَلَوْ بِالنَّصِيحَةِ. واعلم أن الصديق له أثر كبير في حياة صاحبه، استقامة وصلاحًا، أو اعوجاجًا وإفسادًا، يصور لنا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الشيخانِ عن أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: “إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ – يُعْطِيكَ مَجَّانًا – وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً” رواه البخاري. قالَ الإمامُ النووي رحمه الله: “مَثَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْجَلِيسَ الصَّالِحَ بِحَامِلِ الْمِسْكِ وَالْجَلِيسَ السُّوءِ بِنَافِخِ الْكِيرِ، وَفِي هذا الحدِيثِ فَضِيلَةُ مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ، وَأَهْلِ الْخَيْرِ وَالْمُرُوءَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالْوَرَعِ وَالْعِلْمِ وَالْأَدَب؛ وَالنَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الشَّرِّ وَأَهْلِ الْبِدَعِ، وَمَنْ يَغْتَابُ النَّاسَ، أَوْ يَكْثُرُ فُجْرُهُ وَبَطَالَتُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمَذْمُومَةِ.
موقع إسلام أون لاين