اليوم العالمي لمكافحة السيدا, “الإيدز”.. الجائحة التي لازمتنا منذ أربعين سنة

 اليوم العالمي لمكافحة السيدا, “الإيدز”.. الجائحة التي لازمتنا منذ أربعين سنة

في الوقت الذي يركز فيه العالم اهتمامه على أزمة كوفيد-19، يأتي اليوم العالمي لمكافحة الإيدز ليذكرنا بضرورة مواصلة التركيز على جائحة عالمية أخرى لا تزال تلازمنا منذ ما يقرب من 40 عاما على ظهورها.

وعلى الرغم من النجاحات الكبيرة التي تحققت، لا تزال حالة الطوارئ المتعلقة بالإيدز قائمة. فما زال فيروس نقص المناعة البشرية يصيب 1,7 مليون شخص كل عام ويقتل نحو 000 690 شخص. وتعني أوجه عدم المساواة أن الأشخاص الأقل قدرة على الدفاع عن حقوقهم لا يزالون هم الأشد تضررا، وقد كانت جائحة كوفيد-19 بمثابة جرس تنبيه للعالم أنه لا أحد في مأمن ما لم نكن جميعا آمنين.

يحيي العالم اليوم العالمي لمكافحة السيدا هذه السنة في ظروف صعبة على الجميع دون استثناء، بسبب تفشي جائحة كورونا التي قالت عنها منظمة الصحة العالمية إن فيروس كورونا المستجد “سارس كوف 2” المسبب لمرض كوفيد-19 قد يصبح متوطنا مثل فيروس “إتش آي في” المسبب لمرض الإيدز.

 

جهود جزائرية مكثفة للحدّ من انتشار مرض الإيدز

شدّد، يوسف مهدي، رئيس الهيئة التنسيقية الوطنية لمكافحة السيدا، على ضرورة “تكثيف الجهود وإشراك جميع الفاعلين في الميدان لمكافحة داء السيدا، مع الحرص على تطبيق القوانين بما فيها قانوني الصحة والعقوبات لوضع حدّ لكل التجاوزات”.

في ذات الإطار، نوّه بوزيد لزهاري، رئيس مجلس حقوق الإنسان بمختلف الأشواط التي خطتها الجزائر في مجال مكافحة السيدا، والتزامها بتطبيق بنود مختلف الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، مشيرا إلى دور المجلس “البنّاء” في المجال وسهره على حماية حقوق المصابين بالسيدا والعمل من أجل القضاء على التمييز الذي يطال عديد المصابين في المجتمع.

إلى ذلك، كشف الدكتور عادل صدام، مدير الأنوسيدا بالجزائر أنّ معاناة مرضى السيدا من التهميش والتمييز باعتبارهما “ظاهرة عالمية”، واستمرار ممارستها يعيق مهمّة مكافحة الداء ويحرم المرضى من الكشف المبكر ومن حقهم في المساواة مع بقية أفراد المجتمع، وهو ما ذهب إليه أيضا إسماعيل مصباح، المختص في الأمراض المعدية بمستشفى الهادي فليسي، حيث شدّد على ضرورة محاربة التهميش لتمكين المصابين وحاملي الفيروس من إجراء الكشف المبكّر لتحسين حياتهم وتفادي نقل العدوى للآخرين.

من جهته، أكد ايريك أوفريست المنسق المقيم لنظام الأمم المتحدة بالجزائر، أن الجزائر تحوز على ترسانة قانونية وتشريعية “صلبة” في مجال حماية حقوق الإنسان تضمن التكفل النوعي بالعلاج والحق في حياة أفضل حسب ما نص عليه قانون الصحة الجديد.

وثمن ايريك أوفريست جهود الجزائر خاصة تجاه الفئات الهشة والأكثر عرضة لخطر هذا الداء، والتزامها الفعلي بالقضاء على فيروس فقدان المناعة المكتسبة (السيدا) في آفاق 2030، وفق “استراتيجية وطنية ترتكز أساسا على الحق في حماية حقوق الأشخاص الحاملين للفيروس وعائلاتهم حسب ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر في إطار المكافحة الفعلية للتهميش والتمييز”.

وإلى جانب الدور الكبير للمجموعات الخيرية غير المعتمدة، وروّاد شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام على اختلافها، في التوعية بخطر الإصابة بفيروس فقدان المناعة المكتسبة، سجّلت مختلف الجمعيات التي تعنى بمكافحة السيدا والتكفّل بالمرضى، حضورها في الكشف والتوعية وتقديم جملة من النصائح والتوجيهات حول ما يتعلق بالداء، من خلال إطلاق قوافل صحية وأخرى تحسيسية على المستوى الوطني، مسّت آلاف المواطنين من مختلف الفئات العمرية.

بين حصار المجتمع ونظرة العائلة الحارقة

يعيش مرضى السيدا في الجزائر معاناة كبيرة ويتجرع أغلبهم مرارة الألم في ظل عدم تقبل المجتمع لإصابتهم وغياب التكفل النفسي الكافي والدعم المادي خاصة الجانب المتعلق بتوفير الأدوية الضرورية للعلاج، ما يجعلهم في كل مرة عرضة لخطر الموت.

الآن وقد بات مرض الإيدز يدخل ضمن الأمراض المزمنة التي تتطلب عناية وتكفلا جيدا بالمصابين سواء صحيا أو على مستوى التأمين الاجتماعي، فمن الضروري أن تتجاوز بعض المخابر إخفاء الحالات المكتشفة وعدم الإقرار بها خلال إجراء التحاليل العادية لأن هذا الأمر ينعكس سلبا على عملية ضمان العناية اللازمة بالمصابين، سيما وأن الأطباء والمختصين يؤكدون أن المريض إذا التزم بالعلاج كما ينبغي قد يطول عمره عموما إلى 30 سنة.

وهذا حسب شهادة الأمين العام لجمعية تضامن الإيدز لرباس سليم الذي أكد أن جمعيته تحاول جاهدة مساعدة مرضى السيدا بالإمكانيات والوسائل المتاحة لها بمساندة من الهيئات المعنية من وزارات وغيرها، من أجل ضمان العناية اللازمة لهم من خلال توفير الأدوية والعلاج النفسي لهم.

وعلى هذا الأساس، دعا الأمين العام لجمعية تضامن الإيدز إلى تضافر الجهود بين مختلف الوزارات المعنية والإكثار من تنظيم حملات ولقاءات تحسيسية بخطورة هذا المرض تساهم في توعية المواطن وحثه على القيام بالتشخيص المبكر دون عقدة أو خوف قبل فوات الأوان، مضيفا أنه من الأحسن أن تكون هذه الحملات طيلة أيام السنة، وألا تقتصر على اليوم العالمي لمكافحة داء السيدا.

دعوة لتجاوز اعتباره من “الطابوهات”

وشدد سليم على ضرورة حث الشباب على تجاوز فكرة أن الحديث عن مرض الإيدز عار، بحيث لا يمكن التصريح به باعتباره لا يزال لحد الآن يوضع في خانة “الطابوهات”، وذلك عن طريق توفير الهيئات المعنية محيط ملائم يشجع هؤلاء المرضى على تجاوز مرحلة الخوف والقلق اللذان يعيشانه.

هذا المرض الذي يبقى لحد الآن في خانة “الطابوهات” في ظل عدم تقبل المجتمع لإصابة المرضى بالسيدا ونظرتهم الاحتقارية التي لا تتزعزع اتجاههم على الرغم من أنه لا يمكن لنا الحكم على أي شخص بأنه ارتكب فاحشة أو فعلا مخلا بالحياء، فكثيرا ما نسمع روايات بعيدة كل البعد عن حمل هؤلاء الأشخاص للفيروس بسبب العلاقات الجنسية، فما ذنب الطفل الصغير الذي ولد حاملا للفيروس من والديه بحيث يكون طفلا عاديا في السنوات الأولى بعد الولادة لأنه لا يدرك خصوصية المرض، لكن بمجرد أن يصل إلى مرحلة متقدمة من العمر تتغير حالته النفسية، فيعيش حالة قلق قصوى بعد معرفته للحقيقة، وكذا المريض الذي انتقل إليه الفيروس بسبب أخطاء طبية.

ندرة الأدوية تنعكس سلبا على المرضى

يعتبر غياب التكفل اللازم بهؤلاء المرضى ماديا ومعنويا وسط انقطاع الأدوية الضرورية التي تنعكس سلبا على عملية العلاج، سيما وأنها تتطلب متابعة دقيقة وأي إخلال سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية للمريض، فيصبح مهددا بالوفاة، من أكبر المشاكل التي تؤرق حياة هؤلاء المرضى وتزيد من تدهور حالتهم فيصبح أملهم قليلا في العيش لأطول مدة ومهددين في كل مرة بخطر الوفاة.

كما أن نقص المراقبة البيولوجية وكذا عزوف بعض الأشخاص عن التصريح بإصابتهم بسبب الخجل والخوف من نظرة الناس إليهم حال دون معرفة العدد الحقيقي للمصابين بالإيدز في الجزائر، والذي حددته وزارة الصحة حسب إحصائياتها الأخيرة بـ 6500 حالة بين المصابين والحاملين للفيروس.

معاناة متزايدة وآمال معلقة

وتزداد معاناة مرضى الإيدز في الجزائر كل عام خاصة لدى فئة الشباب بين 25 سنة و39 باعتبارهم الأكثر إصابة بسبب العلاقات الجنسية غير الشرعية التي تعد حسب الأطباء والمختصين العامل الأول في انتقال الفيروس لدى الجزائريين، مسجلة نسبة 80 بالمائة، أما 20 بالمائة فتكون لأسباب أخرى كحمل الفيروس عبر الدم أو إبر غير معقمة ومطهرة أو عن طريق استعمال أطباء الأسنان والجراحين وسائل تفتقد إلى النظافة اللازمة.

وبالتالي فإن خطورة المرض تستدعي مشاركة فعالة من الدولة، من خلال تجنيد وزارة الصحة ومشاركة وزارات أخرى معنية تقوم باستراتيجية وطنية شاملة لتشخيص الداء عبر مراكز متخصصة لمكافحة السيدا، وكذا إنشاء مراكز كشف مجانية تضمن سرية المعلومات المتعلقة بالمصابين لتسهيل تحديد هذه الحالات.

لمياء بن دعاس