أحيا العالم، أمس الرابع جوان، اليوم العالمي لضحايا الاعتداءات من الأطفال الأبرياء، والذي خصصته الأمم المتحدة في عام 1982 بهدف ضمان حصول جميع الأطفال على حقهم في الحرية والكرامة وتوفير أرضية ملائمة لهم حتى يكبروا في بيئة آمنة.
وفي 19 سبتمبر سنة 1982 عقدت جلسة استثنائية طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية أعربت خلالها الجمعية العامة عن شعورها بالفزع إزاء العدد الكبير من الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين ضحايا أعمال إسرائيل العدائية، كما قررت بالمناسبة ذاتها إحياء الرابع من جوان من كل سنة كيوم دولي للأطفال الأبرياء ضحايا العدوان، وهو يوم لم ينفع إلا لتقديم الأرقام والإعراب عن الاستياء والقلق في ظل استمرار تعرض الأطفال عامة وأطفال فلسطين على وجه الخصوص لأبشع أنواع الاعتداء.
الهيئة الوطنية تستقبل 700 إخطار
وفي الجزائر كشفت مريم شرفي مفوضة الهيئة الوطنية لحقوق وحماية الطفل، أن هيئتها سجلت منذ شهر جانفي من هذا العام 700 إخطار ضد الطفولة، تتمثل غالبيتها في سوء المعاملة، التسول بالأطفال، الإهمال العائلي، الاستغلال الاقتصادي والاعتداء الجنسي.
وقالت مفوضة الهيئة الوطنية لحقوق وحماية الطفل، “بكل فخر أقول إن الجزائر بلد رائد إقليميا وعربيا في حماية الطفولة بفضل الترسانة القانونية الكبيرة لصالح هذه الفئة. وقريبا جدا ولأول مرة سننجز بنك معلومات خاص بالإحصاءات والأرقام عن وضعية الطفولة في البلد، تستفيد منها مختلف المؤسسات البحثية والجامعات ووسائل الإعلام”. وأوضحت مريم شرفي “أن مصالح الأمن الوطني قدمت 2400 إخطار منذ بداية السنة، لكن هو رقم غير نهائي لكونه يصدر عن وزارة العدل. ووضعنا آليات مهمة لحماية الطفولة منها رقم 1111 الذي نستقبل فيه يوميا ما يقارب 10 آلاف مكالمة من كل المدن”.
مضيفة أنه لا يمكن الحديث عن ظاهرة عمالة الأطفال في الجزائر كون النسبة لا تتجاوز 0 بالمائة، لكن يوجد استغلال اقتصادي وهذا ما نحرص على محاربته بتضافر جهود الجميع. وأشارت شرفي إلى أن الهيئة الوطنية لحقوق وحماية الطفل أبرمت اتفاقات ومعاهدات مع وزارة الثقافة ومؤسسات ثقافية لاستقطاب الأطفال خاصة في العطل الصيفية، معترفة بوجود شبكات مختصة لاستعمال الأطفال في أعمال إجرامية، نعمل مع الجهات الأمنية والقضائية على التدخل السريع والمباشر لمواجهة الظاهرة وحصرها.
وترى شرفي أن الجزائر من الدول الإسلامية القليلة التي اعترفت بالأطفال مجهولي النسب، وأعطتهم الحق في الجنسية والعائلة والحماية الاجتماعية.
كما أن الإخطارات ضد انتهاك حقوق الأطفال تراجعت هذا العام قليلا، لكن ما زال هناك جهد كبير ينتظر الهيئة في ظل قوانين مشجعة لحمايتهم لا سيما ما جاء في الدستور الأخير وأيضا قانون حماية الطفولة 2015 والذي مصدره الشريعة الإسلامية.
ضحايا الاعتداءات الجنسية.. جرح أثره بعيد المدى
من جهته، قال رئيس شبكة “ندى” لحماية الأطفال إن الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية في تزايد مستمر، معتبرا الأرقام والمعطيات “صادمة”، والتي وصفها أخصائيون” بـ “الكارثة الاجتماعية التي تتطلب حلولاً عاجلة وقرارات صارمة”.”
وكشف عبد الرحمن عرعار عن تعرض أكثر من 9 آلاف طفل لاعتداء جنسي سنوياً في الجزائر، داعيا إلى مراجعة عميقة لمنظومة حماية حقوق الطفل.
واعتبرت الشبكة الحقوقية أن الرقم المعلن عنه “يخص الحالات المعلن والمصرح بها فقط، ولا تشمل حالات الاعتداءات التي يتستر عليها أهالي الأطفال الضحايا”.
وقدمت الشبكة إحصائية عن عدد الأطفال في الجزائر، وكشفت عن وجود 5 ملايين طفل تقل أعمارهم عن 5 أعوام، و13 مليون طفل دون 18 عاماً.
واعتبر رئيس الشبكة، أن “العنف ضد الأطفال من الطابوهات، وكانت للشبكة تحديات في كسرها”، وقدم تفاصيل “كارثية” عن حقيقة ونوعية الانتهاكات الجنسية والنفسية التي يتعرض لها كثير من الأطفال في بلد يعرف بأنه “محافظ”.
وحصرت الشبكة الانتهاكات “داخل الأسرة وخارجها والمدرسة وبين الأطفال أنفسهم، وبين المراهقين أنفسهم، وبين المراهقين ضد الأطفال، والراشدين ضد الأطفال، وزنا المحارم، وتعريض الأطفال لمشاهد إباحية والاغتصاب والفعل المخل بالحياء”.
وأوضح أن الشبكة سجلت حالات “انتهك فيه شخص واحد مجموعة من الأطفال، ويعتدي عليهم جنسياً لمدة طويلة ومسكوت عنها بحكم العرف والتقاليد والخوف من ردة فعل المجتمع، والأسباب تبقى متعددة”.
ويرى الحقوقي عرعار أن السبب الرئيسي وراء تزايد حالات الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال في الجزائر هو “هشاشة منظومة حماية الطفل”.
ولم يحصر ذلك في المنظومة القانونية، إذ قال إن “الهشاشة تتمثل في الكثير من الأسباب والتي تبدأ من السكوت عن الجريمة، لأن التكفل بالضحايا يجب أن يكون بالإجراءات القضائية والنفسية”.
وأرجع عرعار بأن السكوت عن هذا النوع من الجرائم مرده إلى خوف أهالي الضحايا أو الضحايا أنفسهم من ردة فعل محيطهم، وقال إنهم “يفضلون إخفاء ما حدث على التبليغ عن حادث الاعتداء الجنسي”.
ومن بين الحلول التي قدمتها شبكة “ندى”، وضع الطفل خارج دائرة الخطر، والذي أكد عرعار أنه غير موجود في الجزائر، بالإضافة إلى إعادة بناء شخصية الضحية بعد الصدمة.
وقال إن الإجراءات القضائية تعاقب الجاني، بينما يكون للضحية بعض الآثار النفسية، لكن يبقى الغموض حول مصير ومستقبل تلك الضحية، وللأسف لا يوجد عمل محترف لإنقاذ الضحية من تبعات الاعتداء الجنسي.
ومن بين الأسباب التي قدمها رئيس الشبكة الحقوقية والتي تدفع، وفق رأيه، إلى الاعتداء الجنسي على الطفل “العنف داخل الأسرة، وكذا نسبة الطلاق المرتفعة، ومن الأطفال من يتم استغلالهم كورقة ضغط عندما يحدث النزاع والخلاف داخل الأسرة، وفي بعض الأحيان يُنتهك الطفل جنسياً كوسيلة انتقام”.
واستطرد قائلا: “للأسف هناك شبكات تغتنم الفرص وتصطاد في الماء العكر، وسجلنا استدراج فتيات في 14 أو 15 من عمرهن لشبكات دعارة، باستغلال فقرهن وأوضاعهن المزرية مقابل الحصول على بعض النقود”.
ولفت إلى أن “التبليغ عن جريمة الاعتداء الجنسي” شهد ارتفاعاً ملحوظاً خصوصا منذ 2014.
ولم تكتف دراسة شبكة “ندى” بالكشف عن أرقام الاعتداءات الجنسية على الأطفال، إذ قدمت مجموعة من الحلول العملية والعاجلة لحماية البراءة ممن وصفهم رواد مواقع التواصل بـ “الوحوش البشرية”.
وكشف المتحدث عن بعض منها، من بينها “كسر الطابوهات، والرجوع إلى القيم والمبادئ، وتعزيز منظومة الحماية، والأهم من ذلك بناء الحماية الذاتية للأطفال”.
ويرى عرعار أن القضاء على هذه الظاهرة الخطرة يجب أن يشمل أيضا الجناة، وقال إنه “لا يكفي أن يعاقب فقط بالسجن، لأن هناك احتمالاً كبيراً لعودة الجاني لممارسة جريمته بعد انتهاء فترة العقوبة ويمكن أن يصطاد ضحايا آخرين، ولهذا لا بد من عمل باتجاه الجناة”.
كما كشف أن القانون الجزائري “صارم جداً في حالات الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال من خلال تشديده للعقوبة خصوصاً الاعتداءات المرتبطة بالاختطاف وتصل إلى الإعدام لكنه غير منفذ، لهذا فإن هذا النوع من الجرائم يتطلب عملا ردعيا ووقائيا، ولكن نعتمد على إعادة تهيئة الأطفال بالدرجة الأولى”.
وشدد الحقوقي على أن الجزائر “بحاجة إلى آليات اجتماعية سريعة وقوية تضمن التدخل في أي وقت لحماية الطفل من أي انتهاكات جنسية قد تحدث تقتحم الفضاء العائلي وتردع من تسول له نفسه أن يعنف الأطفال”.
وذكر أن “الآليات المعمول بها حالياً قديمة جداً، وتجاوزها الزمن رغم أن التشريع جديد، إلا تطبيقه لا يزال بأساليب السبعينيات، والضحية يحتاج إلى ردة فعل قوية وسريعة وتأتي بعدها مرحلة الإجراءات القضائية والتحريات والتحقيقات الأمنية، واليوم أمامنا الآلاف من الأطفال في سوق العمل والتسول ما يجعلهم عرضة لضعاف النفوس والاعتداء الجنسي”.
وختم بالتأكيد أن “القضية ليست مرتبطة فقط بالتبليغ، بل متعلقة بمنظومة مجتمع تحميه وتحمي أطفاله أينما كانوا”.
ل. ب