ما تزال قضايا الاعتداءات على الأطفال تصنع الحدث في المجتمع الجزائري خاصة مع ارتفاع عدد الضحايا، الذي عاد الحديث عنهم بمناسبة اليوم العالمي للأطفال ضحايا الاعتداءات المصادف للرابع جوان من كل عام، حيث
تكون هذه المناسبة بمثابة وقفة تأملية في قضايا الاعتداءات التي تطال الأطفال سواء كانت جسدية أو جنسية في ظل الإشكالية الكبيرة حول إلغاء عقوبة الإعدام في حق قاتلي الأطفال خاصة والقاتلين عامة مع تمسك وزارة العدل بالعقوبة.
احصائيات لا تنذر بالخير
أكدت خيرة مسعودان مديرة المعهد الوطني للشرطة الجنائية، أن مصالحها كانت قد أحصت خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2017 تورط 2018 حدثا في الإجرام، من بينهم 85 فتاة، وحسب ذات المتحدثة التي قدمت هذه الإحصاءات في مقر مدرسة الشرطة، فإن هؤلاء الأطفال كانوا قد تورطوا في أنواع مختلفة من الجرائم، قبل أن تؤكد أن جنح السرقة كانت في مقدمة الجرائم المرتكبة، بالإضافة إلى تورطهم في جرائم الاعتداءات بالجرح والضرب العمدي، قبل أن تواصل مبرزة أن سن هؤلاء الأحداث يتراوح بين 10 و18 سنة، وحسب تصريحاتها فقد تصدرت الفترة السنية الممتدة من 13 إلى 16 سنة ومن 16 إلى 18 سنة، الفترة الأكثر تورطا في الإجرام بالنسبة لهؤلاء الأطفال، مرجعة ذلك إلى أسباب عديدة كانت العائلية من أبرزها، لتليها الفترة الممتدة من 10 إلى 13 سنة، والتي قالت إنها المرحلة الأقل تورطا في الإجرام بالنسبة لهؤلاء، لتسجل مرحلة الأقل من سن العشر سنوات تورط 80 حدثا في مختلف أنواع الإجرام. وعن تورط الأطفال في الجرائم الجنائية الأخرى على غرار القتل والجرح المفضي للوفاة، قالت مسعودان إن ذات الفترة شهدت تسجيل 12 حدثا متورطا في النوع الأول من الجرائم، وكذا 23 حدثا متورطا في النوع الثاني، أي جرائم الجرح والضرب العمدي المفضي للوفاة. وفيما يخص الأطفال المتعرضين لشتى أنواع العنف، واصلت مديرة المعهد الوطني للشرطة الجنائية أنه تم تسجيل 1961 طفل معنف خلال الأشهر الأولى من السنة الجارية، توزعوا على النحو التالي: 1173 طفلا متعرضا للعنف الجسدي، 600 طفل متعرض للاعتداء الجنسي، 9 أطفال كانوا ضحايا للقتل العمدي خلال ذات الفترة، بالإضافة إلى طفلين تعرضا للضرب المفضي للوفاة. وبالحديث عن الأطفال في خطر الذين تسعى الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة لحمايتهم من مختلف الأخطار التي من الممكن أن تلحق بهم، كانت مصالح الأمن الوطني قد سجلت خلال الأشهر الأربعة المذكورة 1280 طفلا في حال خطر، من بينهم 1125 طفلا تمكنت ذات المصالح من إعادة إدماجهم في الوسط العائلي، أما 155 طفلا فقد تمت إحالتهم على المصالح القضائية.
الاعدام مشرع في قانون العقوبات
لقد تم تجميد تنفيذ عقوبة الإعدام سنة 1993، غير أن الجهات المعنية تراجعت عن هذا القرار، ففي قانون العقوبات الجزائري هناك مجموعة من الجرائم التي تحدد عقوبتها بالإعدام كالتي تخص الجنايات والجنح ضد أمن الدولة وفي القسم الخاص بجرائم الخيانة والتجسس والذي تنص عليه المادة 61 من القانون رقم 23-06 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، أما فيما يتعلق بجرائم القتل العمدي والقتل مع سبق الاصرار والترصد وقتل الأصول والأطفال والتسميم والتعذيب، فإن العقوبة المحددة هي الاعدام، حيث يعاقب كل من ارتكب جريمة القتل أو قتل الأصول أو التسميم بالإعدام حسب نص المادة 261 من قانون العقوبات.
ممثل وزارة العدل: “عقوبة الاعدام لا تنحصر فقط في اختطاف الأطفال”
قال مدير الشؤون الجزائية وإجراءات العفو بوزارة العدل مختار لخضاري بأن مطالبة البعض بتطبيق عقوبة الاعدام حصريا في حق مختطفي وقتلة الأطفال غير ممكن، من منطلق أن الإعدام لا يحصر ولا يربط بقضية معينة وإنما هو أوسع من ذلك، بحيث يحمل أبعادا سياسية وأخلاقية واجتماعية وفلسفية، والأهم هو أن الترسانة القانونية موجودة في معالجة الجرائم عموما ومنها اختطاف وقتل الأطفال، ما يعني أنه ليس هناك فراغ قانوني،
وأضاف مدير الشؤون الجزائية في تصريحه للصحافة أيضا أن ظاهرة خطف الأطفال ليست بالجديدة وإنما أصبحت قضية رأي عام بعد أن سلطت عليها وسائل الإعلام الوطنية الضوء بعد الاختطافات الأخيرة التي طالت عددا من الأطفال، آخرها العثور على الطفلين هارون وابراهيم مقتولين بقسنطينة بعد تعرضهما للتنكيل.
المحامية فاطمة الزهراء بن براهم: “عقوبة الاعدام ضد قاتلي الأطفال ليست حلا”
قالت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم في تصريحاتها للصحافة إن قضايا اختفاء الأطفال المسجلة في الماضي كانت تنتهي عند إيداع شكوى من طرف العائلة، لأنه عندما لا يعثر على جثة الطفل ولا تتوفر الأدلة لتوقيف الجاني، تقيد القضية ضد مجهول، مضيفة أن عقوبة الإعدام التي أصبحت مطلبا شعبيا بعد استفحال هذه الجرائم ليست الحل لاقتلاع الظاهرة من جذورها، مشيرة إلى أن المتورطين في هذا النوع من الجرائم يمكن أن يكونوا موضوع دراسة لتفسير وتحليل الظاهرة. وربطت الحقوقية والمحامية فاطمة الزهراء بن براهم ظاهرة اختطاف الأطفال وقتلهم بانتشار الدعارة العشوائية في المجتمع، وقالت إن حالات الاختطاف لغرض الاعتداء الجنسي لا تمس فئة الأطفال وحدهم، بل مست مؤخرا حتى المسنين والراشدين من الجنسين، كما تعدت هوية المجرمين إلى المعلمين والأئمة والمربين وأفراد العائلة وليس الشباب المنحرف فقط، مشيرة إلى أن أغلب قضايا الاختطافات المتبوعة بالقتل والتنكيل تفتقد إلى الأدلة العلمية والجنائية التي تثبت تورط بعض المجرمين، بالإضافة إلى غياب جثث بعض الأطفال المختطفين التي لم تظهر بعد على غرار الطفل ياسر الذي لم يعرف مصيره.
أما عن تجميد حكم الاعدام، فقد تساءلت المحامية إن كان المحامي والقاضي في بلادنا عادلين بنسبة 100 بالمائة، وهما الطرفان اللذان لا يمكن أن يخرجا عن صفة الانسان القابل للخطأ، مؤكدة أن الحكم بالمؤبد ستكون عواقبه على المجرمين أكثر حدة كونهم سيعانون من الموت البطيء وأنه بين الإدانة والبراءة خط رفيع، كما دعت بن براهم الجهات الأمنية إلى اتخاذ إجراءاتها بالسرعة المناسبة وتوفير تقنيات البحث العلمية التي تمكنها من العثور على المختطفين في وقت محدود كون المختطف غالبا ما يكون من المقربين من العائلة أو الحي.
حسين زهوان: “عقوبة الإعدام قضية حضارة”
قال حسين زهوان رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان إن ظاهرة اختطاف الأطفال في الجزائر جديدة، معتبرا إياه إجراما وحشيا في حق البراءة، وعبر المتحدث عن رفضه إعادة تفعيل هذه العقوبة لأنها قضية حضارة تتعلق بمستوى مجتمع معين ومرحلة حياتية معينة، مشيرا إلى أنها من أعلى درجات العقاب قسوة وشدة، ولهذا تتجه معظم التشريعات الوطنية نحو تضييق مجال تقرير مثل هذا النوع من العقاب وتطبيقه على بعض الجرائم دون غيرها تبعاً للسياسة الجنائية العالمية، مقترحا معاقبة المجرمين القتلة بالسجن الفردي مدى الحياة.
وأكد المتحدث أن تفعيلها لم ولن يؤدي إلى نقص الإجرام، إذ لم تشهد البلدان التي ألغت عقوبة الإعدام أي ارتفاع في الإجرام، موضحا أن أشد عيوب هذه العقوبة أنها غير قابلة للمراجعة وعليه، فإن الشخص الذي تصدر في حقه العقوبة لا يمكنه أن يقدم الوسائل الكافية لتبرئته من الجريمة التي ارتكبها. وفيما يتعلق بالجزائر، فإن عدم تطبيق العقوبة يجعل إمكانية مراجعة الحكم الصادر ممكنة في حدود قانونية.
وأفاد زهوان أن تفعيل الجزائر حكم الإعدام أمر مستبعد، نظرا للعلاقات التي تربطها بعدة دول كانت وقعت على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي بهدف العمل على إلغاء عقوبة الإعدام.
مروان عزي: “الجزائر لن تطبق عقوبة الاعدام مستقبلا”
من جهته، صرح مروان عزي رئيس خلية المساعدة القضائية لتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية أن السلطات الجزائرية لم تطبق حكم الإعدام منذ عام 1993، ولن تطبقه مستقبلا، حتى ولو نطِق به كعقوبة في حق الإرهابيين المتواجدين حاليا بالسجون وغيرهم من المجرمين الآخرين الصادر في حقهم هذا النوع من العقوبات.
وأكد المتحدث أن هذه العقوبة مساس بحق أساسي من حقوق الإنسان رغم ما ارتكبه هؤلاء من جرائم بشعة، مؤكدا أنه لا يجب معالجة الخطأ بخطأ آخر أكثر خطورة، حيث يتعين على الدولة إرساء علاقات جديدة مع المواطن تقوم على رفض كافة أشكال العنف والممنهج خاصة عقوبة الإعدام بالنظر إلى التشريع الجزائري باعتبار أنها تمس القضايا ذات الطبيعة السياسية، مشيرا إلى أن تطبيق عقوبة الإعدام في الجزائر يتطلب بعض الضمانات الكافية ويتعلق الأمر بالضمانات السياسية والقضائية والتي تبقى غير موجودة في القانون الوضعي، ما يؤدي بالضرورة إلى تجميد عقوبة الإعدام حتى لا تهدر دماء الأبرياء بغير حق وظلما.
يوسف حنطابلي: الصراعات الاجتماعية حولت البراءة إلى رهان للانتقام
من جهته، أكد الأخصائي في علم الاجتماع يوسف حنطابلي أن السبب الأساسي في تفاقم واستفحال ظاهرة اختطاف الأطفال وقتلهم والتنكيل بهم بأبشع الطرق، يكمن في الصراعات الاجتماعية والصراعات بين العائلات والأسر والصراعات حول القضايا الشائكة بين المنازعات هي التي أدت إلى تحويل البراءة إلى رهان.
وشدد المتحدث على ضرورة معرفة الأسباب الكامنة والحقيقية ليس وراء هذه الظاهرة بل وراء هذه الحالة حتى تكون لدينا نظرة موضوعية نجمع فيها العوامل المشتركة التي أدت إلى استفحالها، مشيرا إلى أن القضية لا تكمن في المكافحة فقط، فعلى الدولة أن تنكب في محاولة فهم سبب تفشي هذه الظاهرة حتى يتم اختيار الوسائل المناسبة لردعها.
كما أن الصراعات التي لا تتدخل فيها الدولة كمقنن ومحدد وحاكم بين النزاعات الموجودة بين الجماعات سواء عينات أو كانت بين جيران، يصبح الطفل رهينة هذه الصراعات كانتقام أو وسيلة للضغط على الآخر، حسب ذات المتحدث.
ل. ب