اليهود ونقضهم للعهود

اليهود ونقضهم للعهود

على الرغم من ذكر القرآن للأمم والشعوب البائدة، وحديثه عن الشرائع والرسالات السابقة، إلاَّ أنه كان له تركيزٌ أكثر، واهتمامٌ أكبر، بأمةٍ واحدةٍ من الأمم. ما من أمةٍ من الأُمم تناوَل القرآنُ تفصيل نشأتها، وتاريخ تكوينها، وبيان أحوالها، وخصائص شخصيتها، ودقائقَ مواقفها، ودخائل نفوس أفرادِها مثل أمةِ اليهود. فلقد تكرَّر ذكر اليهود، وبيان حالِهم، في أكثر من ثلث سُوَر القرآن الكريم، بسطًا وإجمالاً، وتصريحًا وتلميحًا، فها هي أوَّل سورةٍ في القرآن – فاتحةُ الكتاب – التي يكرِّرها المسلمون يوميًّا في كلِّ فريضةٍ من فرائضهم ونوافلهم، يردُّ البيان الإلهيُّ على انحراف اليهود والنصارى، ويلتجئ المؤمنون إلى ربهم؛ لئلاَّ يسلكهم سبيلهم ” اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ” الفاتحة: 6 – 7. إن كان ذلك الاهتمام والتكرار القرآني يدلُّ فيما يدلُّ عليه أن الصراع بين اليهود والمسلمين سيبقى إلى يوم القيامة، وكلَّما خمدت جذوةُ الصراعِ في منطقةٍ أو عصرٍ من العصور، ستتجدَّدُ في مكانٍ آخر، وفي أزمنةٍ متلاحِقَةٍ، وفي صوَر شتَّى فلا غرابةَ إذًا أن يَكثر الحديثُ عنهم، وأن يكشف القرآنُ أحوالهم.

كم مرَّةٍ عضَّ اليهود يدًا امتدَّت إليهم بالسلام! وكم مرةٍ نقَض اليهود عهودًا أبرموها، ومواثيق عقدوها!. لقد قال الله تعالى مجلِّيًا حقيقة عُهُودهم ومَواثيقهم ” الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ ” الأنفال: 56، وقال سبحانه “أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ” البقرة: 100، هذه شهادةُ القرآن، فما هي شهادةُ الواقع على هؤلاء الأقوام؟. لقد عاهَدهم الرسول صلى الله عليه وسلم وكتبَ بينه وبينهم كتابًا حين وصل المدينة، فهل التزمَ اليهودُ العهدَ، واحترموا الميثاق؟ كلا، فقد غدرَ يهودُ بني قينقاع بعد غزوة بدرٍ وانتصار المسلمين على المشركين، والمعاهدة لَم يمضِ عليها إلا سنةٌ واحدةٌ، وغدرتْ يهود بني النضير بعد غزوةِ أُحُدٍ، وتجرَّؤوا على المسلمينَ بعدما أصابهم في غزوة أحد. وغدرت بنو قريظة عهدَهم في أشدِّ الظروف وأحلَكِها على المسلمين يوم الأحزاب، فإذا كانت هذه أخلاقُهم مع مَن يعلمون صِدْقَه، ويعتقدون نبوَّتَه، فهل يُرجَى منهم حفظُ العهودِ مع الآخَرين؟! وهل يُتوقَّع صدقُ اليهود في معاهداتِهم مع مَن يرَونهم أقلَّ قدرًا، وأضعف شأنًا؟!. إن اليهود قوم بهت، خوَنَة، كما قال ذلك عبد الله بن سلام رضي الله عنه الذي كان يهوديًّا فأسلَم، وهم ينظرون إلى العُهُود والمواثيق التي يوقِّعونها مع غيرهم على أنها للضرورة، ولغرَضٍ مرحلي، ولمقتضيات مصلحة آنية، فإذا استنفد الغرضُ المرحلي، نقَض اليهود الميثاقَ من غير استشعارٍ بقِيَمٍ أدبية، ولا اعتباراتٍ أخلاقية، ولا بمواثيق دولية. إن مما نبَّه عليه القرآنُ، وبِتْنا نراهُ في واقعِنا اليوم: أن اليهودَ حين ينقضون العهودَ لا ينقضها جميعُهم في وقت واحد، وإنما ينقضها فريقٌ دُون آخر، فإن أصابه سوءٌ تظاهَر الفريق الآخَرُ بالمحافظةِ على العهدِ، وإن استقامَ لهم الأمرُ، تتابَعوا في النقض، ومشى بعضهم وراء بعض؛ قال سبحانه ” أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ” البقرة: 100. واليوم الواقعُ اليهوديُ يصدِّق ما أخبر اللهُ تعالى عنهم؛ فها هم حزبٌ يدعو إلى السلام، وحزبٌ آخَرُ يُجاهر بالعداوة، هذا يجلسُ على مائدةِ المفاوضات، والآخَرُ يُعمِل سلاحَه، فإذا أُمِّنوا تهالَكوا جميعًا في الحقد والبطش والمكر، هكذا هم اليهودُ.

 

من موقع الالوكة الإسلامي