الوفاء في بيت النبوة

الوفاء في بيت النبوة

الوفاء خلق إنساني رفيع، وسلوك حضاري راقٍ، ينبغي أن تبنى عليه العلاقات الأسرية، فهو من أهم دعائم استقرار البيوت وسعادتها. وهو خلق لا يتصف به إِلا عزيز النفس طيِّب الأصل كريم الخصال، والوفاء ثمرة عشرة طيبة بين الزوج والزوجة أساسها الحب والاحترام والتفاهم والمودة والرحمة والثقة والنجاح. الوفاء معنى شريف، وعلاقة جميلة، لن تأتي حينما ننتظرها من الآخرين، أو حين نلومهم على التفريط فيها، بل حينما نعيشها واقعا، وندلي بدلونا فيها، ونبدأ بصياغة حروفها الأولى؛ ليجد الشريك الآخر نفسه منساقاً طوعاً إلى مجازاة الجميل بالجميل، ومقابلة الحسنة بالحسنة، وكلما عرض عارض بقطع حبل الود استدعى الوفاء ساعات الصفاء وتناسى الجفاء، يقول سبحانه “ولا تنسوا الفضل بينكم”. وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع. السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الخامسة والعشرين من العمر، بينما كانت هي في الأربعين، ولم يكن تزوج امرأة قبلها، وكان زواجه منها ميموناً، فكانت نِعمَ الأمِّ لأبنائهما، كما واسته بمالها، وآزرته برجاحة عقلها وحسن تبعلها، فكانت سيدة الزوجات وقدوتهن إلى يوم الدين.
بقيت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن أكرمه الله برسالته، فآمنت به ونصرته، وصارت له خير معين ومشير، وكانت له نصيراً وظهيراً، بمالها تواسيه، وبكلامها تسليه، وقد آمنت به قبل كل أحد، وصدقته حين كفر به غيرها.

وهي التي قوَّت عزيمته، وكانت البلسم الشافي لآلامه وأحزانه، وكانت نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة ـ وهي الغنية المترفة المنعمة ـ تخلت عن كل ما ألفت من الراحة والرخاء لتقف مع الحبيب في أحلك أوقات المحنة. كان صلى الله عليه وسلم يثني عليها ويقدر معروفها، فعلى الأزواج أن يتعلموا من سيرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم مع زوجته أمنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها في حياتها وبعد وفاتها. فمن مروءة الرجل أن يحفظ وفاء الزوجة التي صبرت معه وساندته ودعمته بكل ما تستطيع في تجاوز المحن. ويكون وفاء الزوج لزوجته بأداء حقوقها، والإحسان إليها، وإكرامها، والاعتراف بفضلها ومكانتها. وللأسف هناك من الرجال من قل وفاؤهم لنسائهم، فهو وفيّ لها ما دامت تقوم على خدمته وخدمة بيته وأولاده، فإذا ابتليت بداء أو مرض أو حتى أغضبته في أمر بسيط تنكر لها وعاقبها. وهناك من الزوجات من تكون مثلا وفية لزوجها في حالة صحته وشبابه وكثرة ماله، فإذا ما شاب شعره وكبر سنه ورق عظمه انقلبت عليه .والوفاء ليس مرتبطاً بجنس فهو خصلة وفضيلة يرزقها الله من يشاء من خلقه، فما أجمل أن تجلس الزوجة الوفية مع أولادها تذكر زوجها وتذكر لأبنائهما من فضله وبره وإحسانه وجهاده ومواقفه الجميلة التي لا تنسى. وما أجمل كذلك أن يجلس الزوج مع أبنائه يذكر لهم مواقف زوجته المخلصة الوفية التي تعبت معه ومعهم كثيرا، وعاشت قصة كفاح بحلوها ومرها وعسرها ويسرها، تحملت معه أعباء الحياة وشاركته مسيرة البناء.

 

من موقع الالوكة الإسلامي