عادة ملازمة وصفة ملتصقة من القاعدة إلى القمة

الوصول في الموعد…. هل يحدث في الجزائر؟

الوصول في الموعد…. هل يحدث في الجزائر؟

يعرف الوسط الجزائري استعمالا كثيرا لكلمة _روطار_، وذلك ابتداء من المراحل التعليمية بكل أطوارها وصولا إلى عالم الشغل مرورا عبر مختلف المواعيد سواء الطبية أو الخدماتية أو حتى الحميمية منها، حيث يكون التأخر هو العادي والالتزام بالوقت غريبا جدا، ويدخل في إطار النادر والمستحيل أحيانا.

يُعرف كبار السن باحترامهم للمواعيد مقارنة مع فئة الشباب، رغم أنهم عاشوا في زمن لم تكن فيه وسائل الاتصال الحديثة كالهاتف مثلا، وهذا دليل على أنهم كانوا يقدرون قيمة الوقت وحريصين أشد الحرص على العلاقات الانسانية والروابط الاجتماعية، كما كانوا يتحلون بروح المسؤولية، عكس ما نجده في زماننا هذا، فالتحجج بمختلف الأسباب يطبع بداية اليوم وعند كل موعد، لتصبح عادة يألفها الجزائريون ويعرفونها عن بعضهم حتى أنهم يتناولونها في أحاديثهم بكثير من الدعابة والطرافة.

 

الالتزام.. الانضباط.. ميزة الجيل الماضي

يؤكد جل من تحدثنا إليهم من كبار السن أن احترام المواعيد من أكثر الأمور التي كانوا يحرصون عليها في السابق وكانت أمرا لا نقاش فيه، حيث أكد لنا الحاج _أحمد_ ذلك بقوله: _كنا نلتقي في وقت محدد وكنا نلتزم به مهما كلفنا الأمر رغم عدم توفر الإمكانيات كوسائل الاتصال والنقل، على عكس ما نلحظه اليوم، حيث تتوفر كل وسائل النقل إلا أن التأخر عن الموعد واللامبالاة بالوقت هما صفتان تميزان شباب اليوم، فإضافة إلى التأخر بسبب اللامبالاة هناك التأخر المتعمد، حيث يقوم الشاب بغلق هاتفه النقال ويتحجج بأن شحن البطارية قد انخفض، والآخر يعللها بمشكل المواصلات وازدحام الطرقات التي جعلوها سببا كافيا لتبرير تأخرهم وغيابهم_، ويوافقه الرأي _عمي بوعلام_ الذي تحدث بكل غضب عن اللامبالاة التي تطبع تصرفات شباب اليوم وعدم احترامهم للمواعيد سواء العائلية أو المهنية، وهذا ما يدخله في مشادات مع أبنائه الذين ينتمون لهذا الجيل، كما قال لنا السيد بوعلام _فهم لا يستيقظون في الوقت ثم يبدأون بتحضير أنفسهم بكل تأنٍّ وحرص على الخروج في كامل الأناقة سواء أبنائه الذكور أو الإناث دون أدنى انتباه للوقت الذي يمر، وهو ما يجعله على أعصابه_.

 

 

طوابير المتأخرين… ديكور الثانويات اليومي

ونحن نلاحظ بشكل يومي طوابير التلاميذ الذين يصطفون أمام المؤسسات التربوية التي يمنعهم المسؤولون فيها من الدخول بسبب تأخرهم عن موعد الدخول، ومع هذا فإن قرار المنع وإجبارهم على إحضار الولي حتى تمنح لهم رخصة الدخول لا يمنعهم من إعادة الكرّة والتأخر عن موعد الدخول الذي يضيع عليهم الكثير من الدروس، وكل هذا يأخذونه بطريقة هزلية وبعيدة عن كل إحساس بالمسؤولية.

وفي هذا السياق، تقول الآنسة _سمية_ التي تعمل مراقبة في ثانوية بالعاصمة إن مدير المؤسسة التي تعمل بها أعطى تعليمة بغلق باب الثانوية بعد 10 دقائق من موعد دق الجرس ومنع كل تلميذ من الدخول بعد ذلك حتى الساعة الثانية، فكانت النتيجة حسب ذات المتحدثة تسجيل عدد كبير من الغيابات في الساعة الأولى، و_ليت الأمر توقف على الفترة الصباحية_، تضيف المتحدثة لأن الأمر تعداه إلى الفترة المسائية لتسجل الساعة الأولى منها نسبة كبيرة من الغيابات، كما أن نفس الوجوه المتأخرة تتأخر يوميا وتعاود الكرة كل يوم ولم ينفع في هذا إجبارهم على إحضار أولياء الأمور لأن حتى الآباء والأمهات أصبحوا يلتمسون لأبنائهم مختلف الأعذار ويرون تأخرهم أمرا عاديا و _ما فيها والو”.

التأخر عن العمل العادة الملازمة للجزائريين

التأخر عن موعد العمل ظاهرة معروفة ومنتشرة كثيرا عندنا، حيث تشهد جل المؤسسات، إن لم نقل كلها، مواقف بين المسؤول والعاملين لديه بسبب التأخر عن موعد العمل لدرجة أن هناك من يتعمد ذلك ليجعلها عادة، فنجده مثلا لا يستطيع أن يستغني عن شرب قهوته في المقهى وتدخين سيجارة قبل دخوله للعمل، لكنه يمكث لساعات طويلة حتى يتجاوز الوقت المحدد، وهذا ما يراه البعض عدم انضباط والتزام في العمل، ما قد يسبب مشاكل مع رئيس العمل فيأخذ عنه نظرة سيئة وهذا ما سيعرقل نجاحه المهني.

وحول هذا الموضوع، قال لنا _عبد الرحيم_ موظف في مؤسسة خاصة أنه ورغم وصوله في الموعد لمقر عمله، إلا أنه لا يدخل إلا بعد تدخين سيجارة وفنجان قهوة وتبادل بعض الأحاديث الصباحية التي لا يحلو له اليوم بدونها وهذا ما يضعه في موقف حرج مع رئيسه الذي يؤنبه دائما، ما جعل ذلك الموقف روتينا يوميا له ولرئيسه، وختم _عبد الرحيم_ كلامه بقوله: _يعيي المدير وما ندخلش في الوقت وبلا قارو وقهوة”.

 

الازدحام المروري… المتهم الأول

والأخير

يرجع الكثير ممن تحدثنا إليهم سبب تأخرهم المتكرر عن موعد العمل أو الدراسة إلى الازدحام المروري الكبير الذي تشهده العاصمة كل صباح، ما يضعهم في مواقف صعبة، وهي كما يقولون، سيئة و _تحبّط المورال_، وفي هذا السياق تقول الآنسة _ليليا_ القاطنة بالحميز وتعمل في مؤسسة خاصة في وسط الجزائر العاصمة إن الازدحام المروري الذي يشهده الطريق السريع أتعبها وسبّب لها الكثير من المشاكل مع رئيسها في العمل، حيث أنها تصل متأخرة كل صباح وتتعرض للتوبيخ من المدير الذي مل سماع تبريراتها وحفظها وأصبح يطالبها بالخروج الباكر من البيت ويقول لها _ديري حسابك”.

الطبيب، المحامي، الأستاذ، البطال …. كلهم يصلون متأخرين

لا يقتصر التأخر عن الموعد على التلاميذ والعمال و الموظفين، بل هي ظاهرة تمس المجتمع بكل فئاته و على أعلى مستوياته، فتأخر الطبيب والمحامي و حتى الوزير أمر معروف جدا وهو المنتشر والعادي في المواعيد والاجتماعات حتى تلك الهامة منها،

ونحن لا نتحدث عن تأخر الخمس دقائق لأنها لا تعد تأخرا عندنا، بل حديثنا عن تأخر النصف ساعة أو ساعة فما أكثر، والحكايات عن هذا كثيرة ولا مجال لذكرها بل العكس يتناول الناس بالحديث والاستغراب ذلك الشخص المنضبط كظاهرة فريدة من نوعها وتستحق الذكر بنوع من الطرافة والتنكيت.

… القطار والطائرة “يديرو الروطار”

يتناول الجزائريون الكثير من النكت حول مواعيد وسائل المواصلات التي لا تصل أبدا في موعدها، و طبعا الحديث هنا ليس عن الحافلات التي لا مواعيد و لا وقت لها، بل عن القطار وبدرجة أكثر عن الطائرة التي لا تصل في وقتها وكل من سافر أو سافر أحد من أسرته يعرف جملة _الطيارة دارت روطار_ حتى أنها عبارة معروفة ويتداولها الجزائريون بكثرة.

التخلف عن المواعيد سمة البلدان المتخلفة

أكد لنا الأستاذ المتخصص في علم الاجتماع محمد زناتي على أن ظاهرة التأخر عن المواعيد منتشرة في الدول المتخلفة، ولأن احترام الوقت والالتزام بالمواعيد هو أساس تقدم الدول، فلو كان كل عامل ينضبط في مهنته ويدخل في الوقت المحدد ويعمل عمله بالتزام لازدهرت البلد، فنجد الأوروبيين والأجانب يقدرون قيمة الوقت وهذا سر نجاحهم. أي إذا ما تأخرت عن الموعد فسوف تخسر صداقتهم أو حتى مهنتك، فالدقيقة عندهم غالية، عكس ما نجده عندنا: يحدد لك موعدا على التاسعة مثلا فلا يأتي إلا في حدود الـ 12 ويقول لك صباح الخير بدون أن يعتذر وهو غير مبالي أنه أهدر الوقت وخسر ثقته بك.

وربطنا اتصالا مع عدة أساتذة في علم الاجتماع، لكن للأسف وعدونا أنهم سيقدموا لنا رأيهم بالموضوع، لكن هذا غلق الهاتف، والثاني تحجج أن ليس لديه وقت بعد أن سألنا عن اسم الجريدة، وهذا خير مثال ننهي به موضوعنا عن أساتذة قطعوا لنا موعدا بالتكلم معنا ولم يلتزموا به وهذا دليل على أن هذه الصفة تلازم الجزائريين الجاهل منهم أو حتى النخبة.

لمياء بن دعاس