الوثيقة العمرية في فتح بيت المقدس

الوثيقة العمرية في فتح بيت المقدس

 

منذ أُبرِمت الوثيقة العمرية والقدس تَحظى بعناية المسلمين على نحو عنايتهم بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. في سنة 15 هجرية أي: بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بخمسة أعوام تمكَّن المسلمون من فتح كثير من بلاد الشام على إثر معركة اليرموك، ودانت لهم حمص وقنسرين، وقيسارية وغزة، واللاذقية وحلب، وحيفا ويافا، وغيرها. وقد اتجه لفتح بلاد فلسطين قائدان مسلمان؛ هما: عمرو بن العاص، وأبو عبيدة بن الجراح الذي إليه يُعْزَى فضل إدخال بيت المقدس في الإسلام، وكانت تسمَّى بإيليا. وكان المسلمون قبل تقدُّمهم لفتح بيت المقدس، قد اشتبكوا مع الروم في معركة حامية الوطيس هي: معركة أجنادين، وانتصروا فيها بعد قتال شديدٍ يشبه قتالهم في اليرموك، وفرَّ كثير من الرومان المهزومين، ومنهم: الأرطبون نفسه إلى إيلياء.

وقد تقدَّم المسلمون بفتح إيلياء في فصل الشتاء، وأقاموا على ذلك أربعة أشهر في قتال وصبر شديدين، ولَما رأى أهل إيلياء أنهم لا طاقة لهم على هذا الحصار، كما رأوا كذلك صبْر المسلمين وجَلَدهم أشاروا على البطريرك أن يتفاهم معهم، فأجابهم إلى ذلك، فعرَض عليهم أبو عبيدة بن الجراح إحدى ثلاث: الإسلام، أو الجزية، أو القتال، فرضُوا بالجِزية والخضوع للمسلمين، مشترطين أن يكون الذي يتسلَّم المدينة المقدسة هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نفسه رضي الله عنه. وقد أرسل أبو عبيدة بن الجراح إلى أمير المؤمنين عمر بما اتَّفق عليه الطرفان، فرحَّب عمر بحقْن الدماء، وسافر إلى بيت المقدس، واستقبله المسلمون في الجابية وهي قرية من قرى الجولان شمال حوران ثم توجَّه إلى بيت المقدس، فدخلها سنة 15هـ 636 م، وكان في استقباله بطريرك المدينة صفرونيوس” وكبار الأساقفة، وبعد أن تحدَّثوا في شروط التسليم، انتهوا إلى إقرار تلك الوثيقة التي اعتُبِرت من الآثار الخالدة الدالَّة على عظمة تسامُح المسلمين في التاريخ، والتي عُرِفت باسم العهدة العمرية. فكانت هذه الوثيقة دالة أبلغ الدلالة على مدى تسامح الفتوحات الإسلامية والفاتحين المسلمين.