إننا في وقت يكتسح وباء كورونا العالم كله، ويستنفر فيه العالم جهوده للتصدّي له، وهذه فرصة مناسبة لبيان التصور الإسلامي والهدي النبوي لمثل هذه الأمور، فإن إيماننا بأن هذه الأوبئة مقادير من عند الله تعالى، لا ينافي السعي إلى معالجتها والبحث عن التدابير الدنيوية. إن الكفاح والعمل من قدر الله، كما قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ” نفر من قدر الله إلى قدر الله “، فهذا هو المنطق الصحيح في الإسلام، فالتوكل لا ينافي العمل، وإن ترك العمل هو إساءة للأدب مع الله كما يقول أهل التزكية والسلوك ذلك أن ترك العمل مخالف للسنّة الكونية وللسنة التشريعية.
وقد وجه الإسلام إلى ضرورة التداوي من الأمراض والأوبئة والاستعانة بالعلاج والأدوية التي يوصي بها الأطباء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء” متفق عليه، وقال: “تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم” رواه ابن ماجه. وفي حديث جابر: “لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عزّ وجل” رواه مسلم. قال ابن القيم رحمه الله: “في قول النبي: “لكل داء دواء” تقوية لنفس المريض والطبيب وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه”.
الدين الإسلامي ليس حاجزًا ضد الوقاية من هذا الوباء وغيره، بل هو حافز للبحث عن التدابير الدنيوية من نتائج العقول وتجارب البشرية؛ فأفضل المتوكلين محمد عليه الصلاة والسلام كان يتعالج ويعالج، فكل جهد للوقاية والعلاج مطلوب ومرغوب، وتزكيه النصوص الشرعية، وهي مقتضى مقاصد الشريعة وقواعدها. ومع ما تقدم فإن الإسلام شرع للناس سبلًا للوقاية والعلاج من الأوبئة والأمراض، ومن هذه السبل الوقائية والعلاجية ما يتعلق بالأمور الاعتقادية الغيبية والتعبدية، ومنها ما يتعلق بالأخذ بالأسباب المادية.
أما الأسباب المتعلقة بالاعتقاد فالإيمان والقضاء والقدر، والإيمان بأنه لن يصيب الإنسان إلا ما كتب له من النعمة والنقمة والصحة والمرض والأمن والخوف. ومن الأسباب التحصين بالأذكار الشرعية فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة. قال: “أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك” رواه مسلم. وغيره من الأدعية الشرعية من الكتاب والسنة النبوية.
أما الأسباب المادية للوقاية والعلاج فمنها: الطهارة والنظافة، فلها دورها الوقائي من الأوبئة وسائر الأمراض، وللطهارة والنظافة في الإسلام أهميتها الكبيرة، فقد أمرنا الإسلام بها وهي تشمل طهارة البدن وطهارة الثوب وطهارة المكان والبيئة وطهارة الأدوات والأواني التي يستعملها الإنسان في قوام حياته ومعيشته.
ومن هدي الإسلام الحجر الصحي على المصابين بأوبئة تنقل المرض إلى غيرهم من الأصحاء حتى لا تنتقل العدوى إلى غيرهم فينتشر الوباء بين الناس، قال صلى الله عليه وسلم: “إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ بها، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا” متفقٌ عليهِ، وحرصًا على منع انتقال العدوى في الأوبئة قال صلى الله عليه وسلم: “فرّ من المجذوم كما تفر من الأسد” رواه البخاري. فنسأل الله العلي القدير أن يرحمنا وأن يرفع البلاء والوباء والفتن والمحن عن بلادنا وعن عباده والحمد لله رب العالمين.