خلق الله تعالى الإنسان، وجعل فيه مركب نقص من عيوب وأخطاء، ولم يجعله كاملًا خاليًا من النقائص، ابتداء بالأب الأول آدم عليه السلام الذي عهد الله إليه ألَّا يأكل من الشجرة، فأخطأ وأذنب وعصى ربَّه، وكان ذلك سببًا في إخراجه من الجنة. لا عصمة لغير الأنبياء، فكل الناس يخطئون ويذنبون، وليسوا بمعصومين من الزلَل؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ بني آدم خَطَّاءٌ، وخيرُ الخَطَّائِينَ التوابون” رواه الترمذي. فما دام العبد فيه من العيوب ما فيه، فالواجب عليه أن يهتم بعيوبه، ويعيش مقومًا لها منشغلًا بإصلاحها، وهذا ما دأب عليه سلفنا الصالح رضي الله عنهم، نسوق جملة من أقوالهم حتى يستبين لنا هذا السبيل، ولن يستقيم حال الآخرين إلا بما استقام به حال الأولين.
– قال سفيان الثوري رحمه الله: ما عالجت شيئًا أشدَّ عليَّ من نفسي، مرة لي ومرة علي. كلمة “عالجت”، فكأنما الذنوب والخطايا جراحات تحرج صاحبها وتؤلمه، وتفسد عليه سرور الحياة وسكينتها، فيُسارع العبد في علاجها طلبًا للعافية؛ يقول ابن القيم رحمه الله: “الذنوب جراحات، ورب جرح وقع في مقتل”؛ أي: بادر في علاج جرحك قبل أن يستفحل، فيكون فيه هلاكُك.
– قال مجاهد رحمه الله: “من أعزَّ نفسَه أذَلَّ دينه، ومن أذلَّ نفسَه أعزَّ دينه” ومعناه: الذي يغترُّ بنفسه ويرى أنها عزيزة منيعة لا ينجم عنها خطأ ولا معصية سوف يضرُّ بدينه الذي هو عصمة أمره، وهذا التصوُّر الأعمى هو ما يجرُّ هذه النفس إلى التكبُّر عن خلق الله وظلمهم والتعدِّي في حقوقهم.
– قال يونس بن عبيد رحمه الله: “إني لأجد مائة خصلة من خصال الخير، ما أعلم أن في نفسي منها واحدة”؛ وهذا من التواضُع والهضم من هؤلاء الأعلام التقاة رحمهم الله، هذا التواضُع هو الذي جعلهم يؤتون ما أتوا من واجبات وفرائض وسنن على أتم وأكمل وجه، ويرون ويخافون أنها لا تقبل منهم؛ قال الله جل وعلا في حقهم: ” وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ” المؤمنون: 60، 61.
موقع إسلام أون لاين