النعمة الربانية

النعمة الربانية

 

الصلاح نعمة ربانية سابغة، يهبها مِن عباده مَن سبقت له منه الحسنى. فلا نعمة تعدل نعمة الصلاح؛ ولذا كان لزاماً على كل مكلف أن يسأل ربه إياها سبع عشرة مرة كل يوم وليلة؛ حين يستهديه صراط المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. يطلبونها من مولاهم حين علموا أنها اجتباء رباني وفضل إلهي؛ لا يوجبه عمل ولا استحقاق، كما قال تعالى: ” فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ” القلم: 50. وكان الأنبياء يطلبونها بلسان الذل والافتقار لمولاهم، كما دعا إبراهيم ويوسف عليهما الصلاة والسلام ” وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ” يوسف: 101. ولم تقف همتهم في ذلك الخير على حدود النفس، بل سمت ليشمل نعيمُ الصلاح ذريتهم، كما دعا إبراهيم عليه السلام على كبر سن وعقم زوج فقال: ” رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ” الصافات: 100. وطموح إيمان الصادقين يكسرهم لرب العالمين أن يدخلهم مع القوم الصالحين: ” وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ” المائدة: 84.

إن للصلاح ثماراً يانعة المنظر حلوة المخبر، تبدأ مع العبد حين يغدو صالحاً، وتبقى مدرارة عليه بعد موته، ويحظى بالجزاء العظيم عليها يوم الدين. فولاية الله للعبد بقدر صلاحه، كما قال تعالى: ” إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ” الأعراف: 196، ومن كان الله وليه فما ترونه صانعاً به؟! والعبد الصالح في حفظ من الله ومنعة غدت مثلاً يُنشَد، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند نومه: ” باسمك رب وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ” رواه البخاري ومسلم. وما يزال لطف الله بالعبد الصالح حفياً حتى ما يراه في منامه أو يُرى له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا يراها العبد الصالح أو تُرى له ” رواه مسلم. والعبد الصالح بشر؛ يضعف ويهفو، والتوبة أرجى ما يكون قبولها إن قارنت الصلاح، كما قال تعالى: ” إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ” الإسراء: 25.