إنَّ النظام الاقتصادي في الإسلام قائم على تصور معين، وهو أنَّ الله هو الخالق والمالك لهذا الكون وما فيه، وهو الوهاب والرزَّاق، استخلف الإنسان في هذه الأرض، ومكَّنه مما فيها من أرزاق وأقوات، وقوى وطاقات، وجعل له حرية التَّصرف فيها، ولكن بشرط أن يكون وفق منهج الله وحسب شريعته، فالأمر ليس فوضى، وإنَّما هناك حدود وقيود واضحة؛ فالله هو المشرِّع، وله الحكم وحده، والإنسان مُستخلَف في الأرض، وليس مالكًا لما في يديه من أرزاق. وبعبارة أخرى إنَّ النظام الاقتصادي في الإسلام قائم على أساس الكسب المشروع، والإنفاق المشروع، وأداء ما أمر الله بأدائه، وتنمية المال بوسائل لا ينشأ عنها الأذى للآخرين، فلا بُدَّ من الطهارة في النية والعمل، والنظافة في الوسيلة والغاية، فإذا قام التصور في النظام الاقتصادي على هذا الأساس، ازدهرت الحياة الاقتصاديَّة، وشاع الرخاء، وأما إذا قام على غير هذا الأساس المشروع، انتكست الحياة الاقتصاديَّة، وعمت الأزمات. فمن البنود التي يقوم عليها النِّظام الاقتصادي في الإسلام تيسير وتوفير فرص العمل والرزق لكل قادر، وحسن توزيع الثَّروة بين الأفراد على أساس الحق والعدل بين الجهد والجزاء، فالأصل أنْ يكلف الجميع بالعمل، كلٌّ حسب طاقته واستعداده وفيما يسَّره الله له، فلا يكون أحدٌ كَلاًّ على الجماعة، وهو قادر على العمل، ولكن هناك حالات خاصة تُستثنى وهي التي تُعالَج بالزكاة والصدقة. قال عليه الصلاة والسلام: “لأن يغدو أحدُكم فيحتطب على ظهره، فيتصدق منه، فيستغني به عن الناس خيرٌ له من أن يسأل رجلاً أعطاه أو منعه ذلك، فإن اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول” رواه الترمذي. ومن البنود كذلك التزام جانب القصد والاعتدال، واجتناب السرف والشطط في الإنفاق، والاستمتاع بالطيِّبات التي أحلها الله، والبعد عن النمط الاستهلاكي الترفي، وأن تبقى الحاجات الاستهلاكيَّة محدودة بحدود الاعتدال؛ “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” الأعراف: 31. وأيضًا: أن يقوم التكافُل بين المؤمنين، فينتفعوا جميعًا برزق الله الذي أعطاهم، فمن وهبه الله سَعَةً في الرِّزق، أفاض وأنفق على من قُدر عليه رزقه؛ شعورًا منه بنعمة الله عليه، وشكرًا له عليها، قال تعالى “وأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إلَيْكَ” القصص: 77.
الدكتور مسلم اليوسف