قال الكاتب والناقد، مولود بن زادي، إنه “لفهم النص الأدبي المهجري، لابد من الاستعانة بالمنهج الإيكولوجي الذي ينظر إلى علاقة الانسان بالبيئة، فالعلاقة بين الإبداع الأدبي والبيئة متينة لا يمكن تجاهلها، فالمستقر في بيئة المهجر طويلا أدرى بشعابها، وهكذا تفوّق أدباء الأندلس في وصفها بقصورها وبساتينها وأشجارها”.
وأضاف بن زادي قائلا: “يواصل أدباء المهجر اليوم وصف الطبيعة والعمران في بيئتهم الجديدة”، مشيرا إلى أن المهاجر العربي المستقر في أوطان عربية شقيقة تشترك في اللغة والدين والتاريخ والتقاليد وظروف الحياة
يختلف عن ذلك الذي وجد نفسه في مجتمعات غربية تختلف عنها لغويا وعقائديا وإيديولوجيا..”، مشيرا إلى أن “الغربة رغم مرارتها عامل يساعد على تفجير الطاقة الإبداعية للأديب، من خلال الحنين إلى الوطن الذي لا نجده في الأدب المحلي، فهو شعور طبيعي صادق يعيشه الأديب بعيدا عن وطنه وأهله وأحبابه”.
ونبّه مولود بن زادي إلى أن “ليس كل أديب عربي خارج الديار يعيش حالة الهجرة بالمعنى التام للكلمة، حيث أن معظم الروايات العربية اليوم التي تحمل عناوين نوستالجية رخوة، مكتوبة بلغة استعادية سياحية لأن بعض الروائيين العرب لا يعيشون بالفعل حالة الهجرة بالمعنى الشعوري للكلمة، بقدر ما يمارسون الترحال في عالم بات على درجة من الانفتاح والتواصل، فالشعور بالهجرة يختلف من مهاجر إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى ويخضع لظروف الهجرة وأسبابها ومدتها وظروف العيش في البيئة الجديدة، ولن يكون حكمنا عادلا من غير فحص هذه الأعمال الأدبية فحصا عميقا في ضوء كل هذه العوامل والظروف”.
وأردف الكاتب أن “من سمات الأدب المهجري التي تميز الأعمال الأدبية خارج الأوطان، النزعة الإنسانية، وهي التي تتجاوز في مفهومها العالمي حواجز الإنتماءات الوطنية والعرقية والدينية، وتدعو إلى احترام كل الأجناس واللغات والديانات وعدم التمييز بين المتدين والملحد وغير ذلك، فمثل هذا الشعور يظل ضئيلا في الوطن العربي مقارنة بالمجتمعات الغربية”.
وأفاد صاحب كتاب “الزاد” قائلا: “لا عجب أن النزعة الإنسانية عندنا برزت على أيدي أدباء المهجر، بينما غلب على أعمال الزملاء المحليين الطابع القومي والديني، والشعور بالإنسانية في المهجر ينشأ من الاحتكاك بالأجناس البشرية المختلفة التي لها ثقافاتها ومعتقداتها، فها هي الأديبة الجزائرية المقيمة في كندا حسيبة طاهر تثور على التعصب الديني في الوطن العربي على منوال كتابات شعراء المهجر قائلة: “لمَ تلمني يا أخي الإنسان لأني بوذي أو هندوسي أو مجوسي أو..؟! أنت ظالم إن فعلت، لأنك ببساطة لو قادتك الأقدار لرحم أمي لكنت مثلي!.. كفانا نرجسية عرقية ودينية وشعارات لا يخرج من رحمها إلا الفناء والقتل باسم الدين والعرق إن هذا لعمري جنون، فمن نعبد أكبر من أن يحتاج إلى جنود بشرية حتى يسمي بعضنا نفسه جند الله! فالدين وسيلة روحية للتقرب من الخالق وليس للدفاع عنه”، عن رواية “نواميس كامي”.
وواصل بن زادي قائلا: “من المظاهر الأخرى التي ميزت الأدب المهجري، الهروب إلى الطبيعة والنزعة التشاؤمية، ولا نقصد بالتشاؤم الحالة النفسية التي قد تنتاب الانسان حتى في وطنه وإنما النزعة التشاؤمية المهجرية الناتجة عن الهجرة عن الأوطان، ولتبين هذه النزعة لابد من الغوص في أعماق العمل الأدبي واستنطاقه والسعي للتوغل في نفس الكاتب من خلاله، ولفحص صدقية الهجرة وتأثيرها لابد من النظر إلى الحقبة التي هاجر فيها الأديب، فليس من رحل عن الأوطان في أواخر القرن الماضي في عصر الرسائل البريدية كمن رحل عنها اليوم في زمن الماسنجر وفايبر، ويتواصل هذا الأدب اليوم بعيدا عن الأضواء في كامل بقاع الدنيا معبرا عن مشاعر عميقة صادقة صقلتها حياة مختلفة في بيئة جديدة، تشارك فيها أقلام متأثرة بالحياة فيها، تحيا فيها الهجرة بأدق معانيها”.