الجزائر- رافقت انطلاقة الحملة الانتخابية للمحليات، صور سوداوية تعمق أزمة الثقة والمصداقية التي أصبحت ترتبط برجالات السياسة عموما والطامحين في مناصب ومواقع كالتي توفرها استحقاقات 23 نوفمبر المقبل،
حيث برزت مع المنعرج الأول لهذه الأخيرة ممارسات تحمل من الشبهة والإساءة للعمل السياسي وتشجع على عزوف المواطن أكثر مما تغريه.
العينة كانت من إحدى البلديات غرب العاصمة، حيث كنا بصدد انتظار متصدر قائمة حزب معروف وله شعبية كبيرة في الجزائر داخل مكتب المداومة حيث كان يجتمع هناك جمع معتبر من الأشخاص، وبعد وصول المترشح التف حوله حوالي 10 شباب كانوا يرتدون ملابس رياضية والوشم باد على أيديهم، وهم يهتفون باسمه وباسم الحزب الذي ينتمي إليه، ليقوموا بعدها بإشعال الألعاب النارية وكأنهم في مدرجات ملاعب كرة القدم.
الدعاية والحماية أهم وظائف “البلطجية”
انتابنا الفضول لمعرفة سرّ التفاف الشباب حول ذلك المترشح وسألنا أحد العارفين بشؤون تلك البلدية دون أن نكشف عن هويتنا، فأجابنا أن أولئك الشباب من فئة ” البلطجية” وبعضهم مسبوق قضائيا بتهم الاتجار بالمخدرات أو حمل أسلحة بيضاء وحتى السرقة، ليضيف المتحدث ذاته أن المترشحين يستعينون بهم لكي يظهروا أمام العلن بأنهم يملكون قاعدة شعبية تؤازرهم، بالإضافة إلى أن هؤلاء “البلطجية” يوفرون الحماية للمترشحين، نظرا للتشاحن الموجود بين المتنافسين على مستوى الأحياء سيما خلال زيارة مترشح ما إلى حي تكون فيه الأغلبية لغير حزبه، وهو ما وقفنا عنده في أحد الأحياء حيث قام قاطنوه بالكتابة على الجدران “ممنوع الدخول إلى الحي ما عدا حزب …” وهو الأمر الذي تحقق على أرض الواقع حيث مُنع أحد المترشحين من دخول ذلك الحي.
وعلمنا خلال التحقيق أكثر في الموضوع، أن بعض المترشحين في تلك البلدية يستعينون بالشباب المنحرف التابع لحيّهم، للوقوف إلى جانبهم طيلة أطوار الحملة الانتخابية، حيث ينشط هؤلاء على مستوى الحي وبعض الأحياء المجاورة. فبالإضافة إلى “خدمة” الحماية وخلق الفرجة خلال تنقلات متصدري القوائم، يقومون أيضا بالدعاية لهم وتبييض صورهم أمام أبناء الحي وحث أصدقائهم المقاطعين للانتخابات على التصويت لهم، وأكثر من ذلك يوظفون في بعض الأحيان من طرف المترشحين لتسويد صورة منافسيهم وخلق البلبلة والشائعات خلال تجمعاتهم .
مبالغ تصل إلى 40 مليونا للفرد الواحد
واكتشفنا أن هؤلاء “البلطجية” لا ينشطون بالمجان أو مقابل مبالغ رمزية، وإنما يستفيدون نظير “عملهم هذا” من مبالغ معتبرة تتراوح ما بين 5 إلى 40 مليون سنتيم للفرد الواحد، بحسب قدرة المترشح ومكانته، كما يعتبرون موعد الانتخابات سيما المحلية منها -لأنها الأقرب إلى المواطنين- فرصة حقيقية ومناسبة لجمع المال بل وحتى الظفر بمناصب شغل في حالة فوز المترشح الذي دعموه.
انتقلنا إلى بلدية أخرى في قلب العاصة للمقارنة والتحري في كيفيات مرور الحملة الانتخابية هناك، لنكتشف أن ما وجدناه في الأولى موجود طبق الأصل في الثانية، بل وأكثر من ذلك جزم أحد الموظفين بالبلدية في حديثه معنا أن أحد المترشحين سيفوز بالأغلبية الساحقة لأن جميع المنحرفين وبلطجية تلك البلدية يدعمونه لأنه يدفع لهم مبالغ جد معتبرة.
اعتداءات وإحراق مكاتب الأحزاب في بعض الولايات
وتمخضت عن هذه “الظاهرة” -بحسب بيانات صادرة عن أحزاب سياسية وبعض التقارير الصحفية- صدامات وشجارات على مستوى بعض البلديات، وصلت إلى حد إحراق مكاتب مداومات الأحزاب، وهو ما حصل في أولاد سلامة بولاية البليدة حيث تم الاعتداء على مترشحين من حزب الأرندي خلف إصابة 4 أشخاص وتحطيم بعض المركبات الخاصة بهم، في حين تم إحراق وتخريب مكتب أخر للحزب نفسه في ولاية تيزي وزو.
وفي الولاية ذاتها أيضا اقتحم مجهولون مكتب مداومة حزب “الأفافاس” ليلا في بلدية تادمايت وقاموا بتخريبه والاعتداء على مناضلي الحزب، وهو ما يؤكد أن “ظاهرة” استئجار المنحرفين تنتشر بشكل رهيب في الوسط الحزبي، وهو ما من شأنه التأثير على العملية الانتخابية ومصداقيتها.
أسرار أخرى عن الحملة الانتخابية
وغير بعيد عن “بلطجية الانتخابات” وخلال تنقلّنا إلى بعض مكاتب مداومة الأحزاب في العاصمة، اتضح جليا أن المشرفين على المكاتب ليس لهم أي علاقة بالسياسة ولا بالأحزاب التي يسيرون مكاتبها وهو ما يطرح علامات استفهام عديدة، وعلاوة على ذلك فإن أغلب المكاتب التي زرناها لا تتوفر على برامج الأحزاب التي من المفترض أن تلخص في قصاصات أو كتب صغيرة ليتسنى للمواطن الاطلاع عليها، غير أن الواقع أثبت أن الأحزاب لا تركز إطلاقا على البرامج بقدر ما تركز على وسائل أخرى تسيئ للعمل السياسي بالدرجة الأولى.
ومن أسرار الحملة الانتخابية شد انتباهنا قيام زوجة متصدر قائمة بطرق أبواب المنازل للترويج لزوجها وحث النسوة على التصويت له، حيث تستعين بابنتها خلال تنقلاتها ، في حين أن بعض المترشحين الأخرين استخدموا وسيلة أخرى لاستمالة المواطنين تعتبر “موضة جديدة” باستعمال عبارة “ماجيناش نوعدوكوم لكن عندما نفوز بالانتخابات سترون ما الذي يمكننا فعله” … أما بعض المترشحين الأخرين فإنهم يستغلون سلبيات منافسيهم ويدعون أنهم يملكون برنامجا بديلا لرفع أسهمهم، وبالإضافة إلى هذه الطرق والأساليب المبتكرة من طرف المترشحين هناك طرق أخرى تقليدية ألفها الجزائريون كتنظيم الزردات والولائم من طرف المترشحين. و لا يعني ما ذكر سابقا أن جميع المترشحين يستخدمون هذه الأساليب والطرق لاستمالة الهيئة الناخبة بل منهم من التزم بالأطر القانونية خلال هذه الحملة الانتخابية.
هيئة دربال مطالبة بالتحرك
وأمام هذا وذاك، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى تحرك السلطات المحلية والهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، لوقف “مهازل” الحملة الانتخابية ومراقبة المترشحين بصرامة وتطبيق القوانين المنصوص عليها في القانون العضوي للانتخابات في ظل الخرق السافر لجملة من مواده، و”تطعيم” القانون بمواد أخرى تضفي الشفافية على العملية السياسية وترقى بها إلى المستوى المطلوب، والأمر نفسه بالنسبة لرؤساء الأحزاب المطالبون هم أيضا بوضع قانون أساسي صارم للحزب يمنع ما هو متداول حاليا في الساحة السياسية التي أفقدتها مثل هكذا تصرفات مصداقيتها وجدواها!.