الجزائر- عجزت الأحزاب السياسية في الجزائر – على أحجامها وطبيعتها واتجاهاتها- عن الخروج من التوقيت النمطي لتموقعها السياسي من الانتخابات الرئاسية التي ترسم في العادة مسار مرحلة بأكملها في أي
بلد، لتعزز من صورتها كـ “عبيدة” للاتجاهات “المركزية” التي يتم تبنيها في هرم السلطة، سواء أكان ذلك في اتخاذ المواقف المباركة أو المواقف المضادة.
أبانت “استباقيات” الرئاسيات، المزمع عقدها أفريل 2019، من مؤشراتها الأولى هامشا من “الارتباك” والتحفظ السياسي لدى قادة الأحزاب السياسية المعروفة في الجزائر، حيث عمدت هذه الأخيرة إلى برمجة مؤتمراتها على “توقيت” الرئاسيات القادمة التي لم يظهر منها ما يجزم بالتوقعات ولو بـ50 بالمائة، ما عدا بعض المحاولات “المضارباتية” من قبل أحد “صغار المطبلين” بالحزب الأول للسلطة الذين وجدوا أنفسهم أمام “ردع انضباطي”، في وقت تتسمك القيادة بكامل فرص “التحفظ” في غضون عدم بلوغ إشارات واضحة بشأن رغبة الرئيس الشرفي في الترشح من عدمه، ما جعل المسألة رهينة “حسم” من صاحب الأمر الذي اعتادت الساحة على خروجه في الأشهر الاخيرة، ولو أن في “تأديب” طليبة هامشا كبيرا لقراءات أخرى لم تتضح بعد.
وبالنسبة للأفلان فإن الموعد المنتظر هو الدورة القادمة للجنة المركزية التي كان من المزمع عقدها في 19 مارس القادم قبل أن يقرر المكتب السياسي “تغيير” تاريخها بداعي مصادفتها ليوم النصر وبالتالي استحالة عقدها على أن يتم تقديمها أو تأخيرها بيومين، وعليه فإن الأضواء ستتجه إلى الموعد رغم أن البرنامج اكتفى بجدولة عرض التقريرين المالي والأدبي.
ويرجح متتبعون لشأن الافلان ومساره، أن قضية الرئاسيات قد يؤجل الخوض فيها إلى موعد لاحق بالنظر إلى أن الرئيس قد يطيل “الرد” على المترقبين، وهو الأمر الذي ينطبق على حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وإن كانت الصورة أكثر وضوحا بعد الدورة العادية الرابعة للمجلس الوطني للحزب التي انهت اشغالها في النصف الثاني من الشهر الماضي على منح أويحيى “صكا” على بياض للتعاطي مع المسألة، خاصة وأن هذا الأخير أعفى قيادة حزبه من أي حرج بعدما وضع الأرندي في مجال محدد بخيارين :” دعم بوتفليقة في حالة ترشحه للخامسة أو ترشح الأمين العام وزعيم الحزب أحمد أويحيى “، ما يعني أنه سيضطر إلى مجالسة الأفلان في قاعة الانتظار لأشهر أخرى قد تنتهي معها السنة الجارية.
ومن جهته، اختار عمار غول أن يضع نفسه في أريحية أكبر عندما برمج مؤتمر “تاج” الذي صرح أنه سينعقد مع نهاية السنة الجارية وأنه سيتناول بدرجة أولى ملف الرئاسيات، ما يعني انتظار “الضمانات السياسية” لخطوته القادمة، مع أنها قد تطول إلى ما يتعدى ذلك إن حسم بوتفليقة أمره بعدم الترشح وبالتالي أكثر تعقيدا بالنسبة لعمار غول الذي يخشى أن يوضع أمام المجهول وذلك ما يعكس قوله إن ” ملف الرئاسيات يجب أن يتناول بجدية، وأن لا ينظر إليه على أنه رغبة شخص أو نشوة ولا حتى لتموقع أي طرف بل هو في الظرف الحالي خيار دولة ” ثم بعدها ” لا يجب أن نغامر بملف الرئاسيات أو نستخف به فمن باب الديمقراطية يحق لأي كان الترشح ولكن يجب أن نعلم أن كرسي الجمهورية ليس من حرير فالأمور صعبة ويجب أن نكون في مستوى التحديات”. وهي تصريحات بمثابة “نقطة نظام” تدعو للتحفظ والتريث بهذا الشأن.
وفي المقابل، تتمسك المعارضة بموقع المراقب والمتفرج على الأمور وفي أقصى الحالة “ردود الأفعال”، بسبب حالة الضعف والتيهان التي آلت إليها في أعقاب فترة “العدمية” و “التآكل الذاتي”، وقد اختصرت هذه التشكيلات السياسية – على الأقل الناشطة منها في الساحة – موقفها في “عدم جدوى الشخصنة” وفي أقصى الحالات اقتراح حلول مجردة، في ظل عدم مجاراتها لـ”الأمر الواقع” الذي فرضته السلطة، وبعض من القراءات التشخيصية والتحليلية.
و في هذا السياق، انتهى حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية من تسوية رزنامة مؤتمره قبل أيام فقط ليخرج بما دخل به مع بعض من الخسائر التي تمثلت في إعلان المؤسس سعيد سعدي الانسحاب نهائيا من صفوف الحزب، في حين لم يرد من المرحلة القادمة سوى ” بترسيخ قناعته بالانتقال الديمقراطي”، في الوقت الذي يبدو مؤتمر “حمس” المزمع عقده في أيام 10 و11 12 ماي القادم، أكثر وضوحا من ناحية “الصراع الداخلي” الجاري بين أبو جرة سلطاني ومقري، وتعديها الى اتجاه حركة مجتمع السلم في المرحلة القادمة. فمن المرتقب أن يناقش مؤتمر حمس السادس، موقف الحركة من رئاسيات 2019، وموقعها على الساحة، سواء ببقائها في خط المعارضة الراديكالي أم العودة إلى التشاركية التي دعا إليها مؤسسها الراحل محفوظ نحناح والمشاركة في الحكومة من جديد..وهي انقلابات ليست غريبة على أكبر حزب إخواني في الجزائر الذي اعتاد التأرجح بين الضفتين.
وعلى النقيض من ذلك، لم يبد بن يونس أي اتجاه لعقد مؤتمر أو دورة استثنائية في الوقت الحالي وكل ما قيل في “الحركة الشعبية” بشأن هذا القبيل لا يتعدى مطلبا للإطاحة برئيس الحزب من قبل بعض “المنسقين ضده” داخل الحزب وهو الوضع الذي يقترب منه الأفافاس مع النزيف الداخلي الذي يشهده بانسحاب أعضاء الهيئة القيادية، آخرهم علي العسكري الذي تحدث عن مطلب” استدعاء مؤتمر استثنائي في حال تقلص عدد أعضاء الهيئة الرئاسية إلى أقل من 3 لانتخاب هيئة رئاسية جديدة” استنادا إلى المادة 48 من القانون الأساسي والهيئة أصبحت كذلك بعد إقصاء رشيد حاليت ثم انسحاب العسكري ، ما يعني صعود قيادة جديدة قد تملك “تكتيكا” مغايرا للذي حملته القيادة الحالية النازعة نحو المهادنة، وهذه الاخيرة جنت على الكثير من إطارات المعارض العتيد، وتبرز هذه المعطيات عشية دورة للمجلس الوطني المرتقب عقدها نهاية الأسبوع ( الجمعة 16 والسبت 17فيفري ) .
وفي وقت تبقى حنون خطاباتها بعيدة عن الرئاسيات يكون جاب الله قد مرر مؤتمر حزب جبهة العدالة والتنمية في هدوء بعهدة جديدة تدوم خمس سنوات مع “صمت” أقرب الى الواقعية بشأن الرئاسيات واقتصار الأجندة على “الاستمرارية الداخلية”.