كما كان منتظرا، انتزعت الجمعية الثقافية “الموجة” من مستغانم، تذكرة العبور إلى الطبعة 16 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف، المقرر من 22 إلى 31 ديسمبر الجاري، عقب فوز مسرحية “إفريقيا 45- 60” بالمرتبة الأولى في تصفيات المهرجان المحلي 13 للمسرح المحترف في سيدي بلعباس التي عادت مرتبته الثانية إلى مسرحية “ناكر لحسان” ليوسف تعوينت، عن جمعية “حركة مسرح القليعة”، فيما رجع المركز الثالث لمسرحية “دوّار العميان” لمحمد مصطفى يحياوي عن جمعية “تياترو” من تيارت.
مسرحية “إفريقيا 45- 60″، عبارة عن استعراض كوريغرافي غنائي لمجموعة من الممثلين الشباب، معدّل أعمارهم لا يتعدى 20 عاما، قدّموا عرضا احترافيا لافتا من خلال لوحات فنية متناسقة، الربط بينها كان سلسا.
وتبدأ قصة “إفريقيا” مع نضالها من أجل الحرية، والانعتاق من الاستعمار الغربي الذي طالها لعقود من الزمن، ثم سرعان ما ظهر تحد آخر واجه هذه القارة، تمثل في النزاعات الداخلية. كما أشارت المسرحية إلى الكم الهائل من الكنوز الاقتصادية والطبيعية والبشرية التي تتمتع بها القارة السمراء. وسردت أمجادها؛ من خلال ثورة التحرير الجزائرية في سبيل استرجاع الحرية والهوية، فضلا عن أن الجزائر كان لها فضل كبير على إفريقيا في مساندة حركاتها التحررية.
وشارك في العرض 15 ممثلا من مختلف الأعمار، لكنها لم تكن بذلك الإزعاج الذي يُحتمل أن يحدث. توحّدت حركاتهم، وتناسقت على إيقاع طبول إفريقية وأهازيج رتبها وألفها موسيقيا عبد القادر صوفي، أحالت المتفرج على الجذور الأولى للمسرح، وعلى إرادة الإنسان في التعبير من منطلق تراثه.
وأكد رئيس لجنة التحكيم الدكتور عزوز بن عمر، أن المسرحيات المشاركة ما عدا المسرحية الفائزة، كانت لها مشكلات عديدة في التمثيل في السينوغرافيا، والتعامل مع الفضاء المسرحي، وإشكالات في التوظيف الموسيقي. وقال: “لقد تغاضينا عن هذه النقطة بالنظر إلى أن الأمر مكلّف بالنسبة لجمعيات هواة، ولكن الاختيارات لم تكن صائبة في معظمها؛ فالموسيقى لغة مهمة في العرض المسرحي”.
وأشار الدكتور أيضا، إلى غياب الكبار وسط هذه الفرق؛ من قدماء المسرحيين، الذين كان بإمكانهم أن يديروا هؤلاء الممثلين الشباب، ويحسّنوا مستوى أدائهم؛ لأن الأداء كان ضعيفا. وأضاف أن هؤلاء الهواة كان يُفترض بهم أن ينطلقوا من نصوص كلاسيكية، وهي متوفرة، وليس عليها حقوق التأليف، متسائلا: “لماذا نذهب للتأليف أو الاقتباس ونحن في بداية المسيرة الفنية؟”.
وأرجع سبب فوز جمعية “الموجة” بالمرتبة الأولى، إلى تماسك العمل الجماعي، هذه المسرحية بألوانها، وإيقاعاتها، وحركاتها، ورقصاتها، وتعبيراتها الجسمانية توحي بأنّ الفرقة منسجمة. واستشعرنا أنّ وراء هذه المجموعة مفكرا ومخططا، فالعملية المسرحية ليست مجازفة، بل عملية علمية. كما لمسنا تحضيرا، ورؤية إخراجية محكمة. والمخرج كان مؤطرا، له خلفية علمية وتاريخية، وبالتالي قدّم عملا متميزا. وتابع يقول إن الفرجة يجب أن تحقق المتعة.
وأوصت لجنة التحكيم بضبط قائمة المشاركين عبر التوزيع الجغرافي، وفتح موقع إلكتروني خاص بالفرق المشاركة في إطار عصرنة الفعل المسرحي عبر الوطن، وبث العروض في المهرجانات المتنافسة مباشرة، عبر الموقع الرسمي للمحافظة؛ لتعميم الفائدة. ونبّهت اللجنة للالتفات إلى طرح القضايا المعاصرة، ومحاولة استيعاب الواقع، ومناقشة مسائل الجيل. كما أوصت بضرورة الاطلاع على القضايا المطروحة عن كثب، واستكشافها، والإحاطة بتفاصيلها، وبضرورة احترام الجمهور عبر احترام المادة المقدمة في مستوييها شكلا ومضمونا.
واقترحت اللجنة على محافظة المهرجان فتح ورشات تكوينية لبعض العروض المشاركة التي تحتاج إلى توجيه فني وفكري؛ من أجل تطويرها، وتحسين أدائها. وأوصت أيضا بفتح فضاء تجريبي لطلبة الفنون الدرامية على المستوى الجامعي، بحضور الفعاليات عبر آليات تحدّدها المحافظة.
وأشارت إلى أهمية نشر مضمون البحث الذي تقدّم به الدكتور إدريس قرقوة، ووضعه تحت تصرف الباحثين، والعمل على أرشفة الدورة كاملة في موقع رسمي. وجرى تكريم لجنة التحكيم بالمناسبة. وقد افتُتح الحفل الختامي للتظاهرة بأداء أغنية “صرخة طفل” لعمر غسول؛ كتعبير عن التضامن المطلق مع الشعب الفلسطيني، واستنكار الأحداث الدامية التي تعيشها غزة.
ب\ص