هل كانت الثورة الجزائرية نتيجة العمل السياسي الطويل أو ثمرة الجهود الإصلاحية الجبارة، أم هي خلاصة كل التجارب السابقة، وعصارة كل التضحيات التي قدمها الشعب الجزائري بكل أطيافه الأيديولوجية وطبقاته الاجتماعية؟. إن الثورة لم تكن بورجوازية أو ماركسية كما يصفها بعض المؤرخين الفرنسيين، ذلك بأن صانعيها كانوا ينحدرون من الأرياف ومن المدن، ولم يتخل عنها الأغنياء والفقراء، ولم يتنكر لها العلماء والبسطاء، ولم يبخل عليها الرجال والنساء، فكلهم ساهموا بطرق مختلفة كل حسب تضحيته وقدراته في دفع عجلة التاريخ وإيقاد لهيب الثورة الذي لم يخمد إلا بعد سبع سنوات ونصف من الإصرار الذي انتهى بالانتصار. ولقد لخّص الشيخ شيبان هذه المعاني في هذه الفقرة المعبرة: “إن الإعداد والتمهيد للثورة التحريرية الكبرى ساهم فيه عموم الجزائريين والجزائريات، ساهم فيه المجاهد بسلاحه، والسياسي بنضاله، والمعلم بتعليمه… والإمام بوعظه، والطبيب بعلاجه، والمحامي بدفاعه، والصحافي بقلمه، والمهندس برسومه، وصاحب الأدب والفن بإبداعه، وصاحب الفلاحة والتجارة بماله، والفقير البائس بعرق جبينه وحرمانه، وكل المعذبين في سبيل الحرية والكرامة من الضحايا والمساجين والشهداء والثكالى والأيامى واليتامى، يحدو الجميع إيمان صادق في عدل جهادهم، وثقتهم بربهم أن ينصر من ينصره”. كما أن الثورة الجزائرية نجحت في أعمالها وحققت أهدافها لأنها توفرت فيها ثلاثة شروط أساسية، وهي: وحدة الشعب، وصلاح القيادة، والظروف الخارجية. وهي شروط لم تتوفر كلها في المقاومات السابقة التي قادها رجال مخلصون وشجعان ومهرة، لكن كانت ثوراتهم محلية لم يلتف حولها كل الشعب الجزائري كما أنها لم تستفد من أي دعم خارجي سواء بالسلاح أو المال أو الرجال أو الدبلوماسية. أما الثورة الجزائرية فقد جنّدت كل فئات الشعب الجزائري التي وقفت إلى جانب قادتها الذين يتصفون بكل مواصفات الإخلاص والتضحية والكفاءة والشجاعة… كما كسبت الثورة دعما كبيرا في الخارج في ميادين متعددة.
من كتاب – جهاد شعب الجزائر-