المصابون بالتوحد في الجزائر.. عين على المصاعب وأخرى عن سوء المعاملة

elmaouid

ارتفاع معدل الإصابة والأطباء ينصحون بالمسارعة في الكشف

فجّر فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، نهاية الأسبوع، موجة غضب بين الجزائريين، بسبب ما تضمنه من مشاهد قاسية، لتعرض تلميذ مصاب بالتوحد لمعاملة غير إنسانية من طرف معلمته، داخل أسوار المدرسة.

وظهرت في المقطع المصور الذي وثقته إحدى العاملات بمدرسة واقعة في ولاية بومرداس، عملية احتجاز وسجن طفل مريض بالتوحد بين بابين أحدهما خشبي وآخر حديدي في فصل دراسي من طرف مدرّسته، من أجل تقييد حركته دون مراعاة لاحتياجاته الخصوصية، بينما بدا وهو يحاول الإفلات من خلف القضبان، قبل أن يطلب النجدة من الفتاة التي كانت تقوم بتصويره عندما اقتربت منه، لتخليصه من سجنه.

وأثارت المشاهد التي ظهرت في الفيديو، غضب الجزائريين من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، الذين طالبوا باتخاذ إجراءات صارمة ضد المعلّمة، كما فتحت النقاش مجددا حول مسألة التكفل الدراسي بهذه الفئة وطريقة التعامل معها ومدى قدرة المدارس العمومية على الاعتناء بها ورعايتها.

وعلّق الناشط أحمد صدّيق قائلاً: “لم أجد تبريرا لهذا الفعل إطلاقا في حقّ هذا الطفل المتوحد من طرف المعلمة التي أساءت التعامل معه، وقامت بالإغلاق عليه وهو محتاج للإندماج مع الآخرين للخروج من وضعه، يجب أن تعاقب على توحشها حتى تكون عبرة لغيرها”.

 

تزايد في نسبة الإصابة ومختصون يدقون ناقوس الخطر

كشفت الإحصائيات العالمية المتعلقة بالتوحد في سنة 2018 عن تسجيل 500 ألف طفل مصاب بالتوحد في الجزائر، وهي الإحصاءات التي دق بشأنها المختصون ناقوس الخطر ورفعوا دعوة إلى الأولياء من أجل الاحتياط واليقظة.

ووصف البروفيسور مجيد ثابتي رئيس مصلحة الأمراض العقلية للأطفال المراهقين بالشراقة ورئيس القسم الطبي بمركز التوحد ببن عكنون الأرقام الأخيرة بالمخيفة، وقال: “إن تسجيل إصابة واحدة بالتوحد من بين 55 مولودا جديدا أمر يخيفنا كثيرا “، وألح ثابتي على ضرورة الكشف المبكر عن التوحد والتكفل الأنجع بهم لإدماجهم في المجتمع مستقبلا. وأضاف بالقول: “التشخيص المبكر ضروري من أجل أن نتمكن من إعطاء كل المؤهلات اللازمة للطفل من أجل أن يعوض النقص المسجل على المستوى العقلي والنفسي الحركي ونوجه رسالة إلى الأولياء بأن يتحركوا حال تسجيلهم لأعراض التوحد ويراجعوا الأطباء”.

وتنشط في الجزائر جمعيات وطنية وأخرى محلية تعنى برعاية الأطفال المصابين بطيف التوحد، ومرافقة الأولياء من أجل تكفل أمثل بهاته الفئة التي عانت كثيرا في صمت في السنوات السابقة، وتعتبر الدكتورة الجزائرية المقيمة بكندا نوال مزيدي التي جلبت تجربتها الشخصية والمهنية في التعامل مع الأطفال المتوحدين إلى الجزائر إضافة كبيرة للعائلات والأطفال على حد سواء، خاصة بعد تأسيس جمعيات التوحد في عدة ولايات داخلية ساهمت في تنوير الرأي العام حول وضع الطفل المصاب بطيف التوحد وكيفية تقبل إصابته بتلك الطفرة والتعايش معها.

 

طيف التوحد.. هاجس الأمهات الحديث

ويعتبر اضطراب طيف التوحد حالة مرضية ترتبط بنمو الدماغ، تؤثر على كيفية تمييز الشخص للآخرين والتعامل معهم على المستوى الاجتماعي، مما يتسبب في حدوث مشكلات في التفاعل والتواصل الاجتماعي. كما يتضمن الاضطراب أنماطا محدودة ومتكررة من السلوك. يُشير مصطلح “الطيف” في عبارة اضطراب طيف التوحد إلى مجموعة كبيرة من الأعراض ومستويات الشدة.

وتختلف مظاهر وميزات طيف التوحد اختلافاً كبيراً، وذلك حسب مستوى التطور والعمر الزمني للفرد.

 

أول مركز وطني لأطفال التوحد

ستعرف السنة الدراسية الجديدة بوهران، افتتاح أول مركز متخصص في التوجيه والفرز لصالح الأطفال المصابين بالتوحد، ومختلف الأمراض النفسية المتعلقة بالطفولة، وهو المركز الذي سيدار بالتنسيق بين مديرية الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات لولاية وهران، ومديرية التربية الوطنية لولاية وهران ومديرية النشاط الاجتماعي.

وحسب المكلف بالإعلام على مستوى المديرية الولائية للصحة والسكان وإصلاح المستشفيات لولاية وهران، فإن المركز فريد من نوعه، لأنه مركز عبور هام للأطفال المرضى من التلاميذ الذين يتم استقبالهم، ووضعهم تحت المراقبة الطبية والنفسية والبيداغوجية خلال فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، حيث سيتم على ضوء عملية المتابعة والمراقبة المستمرة للمختصين النفسانيين والتربويين، تحديد نوعية مرض الطفل وإمكانية التحاقه بالمدارس العمومية العادية رفقة باقي الأطفال المتمدرسين، بعد تحضيره نفسيا. وفي حال اكتشاف عدم قدرة الطفل على الالتحاق بالأقسام العادية، يتم توجيهه نحو أقسام خاصة بأطفال التوحد، تم فتحها عبر كامل بلديات الولاية، إذ يبلغ عددها 22 قسما تضم من 8 إلى 10أطفال بكل قسم، للتمكن من الوصول إلى جميع التلاميذ المصابين بالتوحد داخل الأقسام الخاصة، التي يشرف عليها أطباء نفسانيون ومعلمون مؤهلون خضعوا لدورات تدريبية خاصة بالتكفل بأطفال التوحد، وكيفية التعامل معهم وتقديم الدروس، وهو ما من شأنه المساهمة في إعادة التكفل بالأطفال وإدماجهم داخل المجتمع.

وسيتم العمل داخل المدرسة الجديدة بالتعاون مع مديرية الصحة التي ستوفر أخصائيين نفسانيين وأطباء، فيما ستوفر مديرية التربية الفضاء الخاص لاستقبال المرشدات البيداغوجيات، وهو عمل متكامل سيعطي نتائج هامة مستقبلا.

 

50 بالمائة من المطلقين لديهم طفل يعاني من مرض نفسي

كشف الدكتور يوسف بوخاري أن الإحصاءات التي قامت بها مديرية الصحة لولاية وهران، خلال العام الماضي، أكدت بأن حوالي 50 بالمائة من حالات الطلاق التي وقعت، كشفت أن لدى الزوجين طفل يعاني من نقص في الإدراك أو مشاكل نفسية، مما يصعب عملية التكفل والتعامل مع الأطفال الذين يعانون صعوبات في الإدراك أو من أمراض نفسية ومرض التوحد.

يضيف المختص قائلا: “هدفنا اليوم الإبقاء على تواصل العائلة وإخراج الطفل من بيئة المنزل والمشاكل، وتوجيهه إلى المراكز المتخصصة والمدرسة التي سيتم افتتاحها، بعيدا عن المنزل الذي يعد من بين المساهمين في تعقيد حالة أطفال التوحد، خاصة أن بعض المؤسسات التعليمية ترفض استقبال أطفال التوحد، فيما يقوم أغلب الأولياء بترك أبنائهم المرضى داخل المنزل، ومنعهم من الخروج والتعرف على المحيط، مما يساعد على تطوير وتعقيد الوضعية النفسية للطفل المصاب”.

كما حذر الدكتور بوخاري من الاستعمال المكثف للهواتف النقالة الذكية من قبل أطفال دون عمر الـ7 سنوات، مما يساهم في عزلة الطفل وإبعاده عن المحيط والبيئة التي يعيش فيها، ودخوله في عالم آخر يصعب التحكم فيه مستقبلا، وهو من بين أسباب التوحد والانغلاق على النفس.

أضاف الدكتور يوسف بوخاري أن دورات تكوينية سيتم الشروع فيها لصالح الأولياء، من أجل التحسيس بمخاطر وكيفية التعامل مع الطفل وتفادي تسجيل حالات جديدة من التوحد وسط الأطفال.