الكوارث الطبيعية هي من سنن الله الكونية في هذا الكون، يجريها ربنا جل وعلا بحكمته، ولله الحجة البالغة وهو العزيز الحكيم، زلازلُ وبراكين، وفيضاناتٌ وجفاف، ورياح وأعاصير؛ قال تعالى: ” وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ” الإسراء: 59، ليعلم البشر أن للكون خالقًا مدبرًا، قوته فوق كل القوى، وتدبيره فوق كل تدبير ” أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ” الأعراف: 54. وفي الأيام الماضية ضرب زلزال مدمر جنوب تركيا وسوريا ومناطق أخرى، تسبب في دمار كبير، آلاف المساكن دمرت، وآلاف من البشر ماتوا، وعشرات الآلاف جرحوا وشُردوا. ولنا في هذا الحدث الجلل وقفات:
أولها: استشعار نعمة عظيمة مِنْ نِعَمِ اللهِ تعالى على عِبادِه التي يَغْفُلُ عنها كثيرٌ من الناس، وهي نِعْمَةُ ثَباتِ الأرض؛ كما قال تعالى: ” أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ” النمل: 61، فهي نعمة جليلة لا تُدرك إلا في مثل هذه الكوارث.
– ومن الوقفات مع هذا الحدث ترسيخ الإيمان بقضاء الله وقدره، فله الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين، وهذا شأن المؤمن إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وهذا ما أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ”؛ رواه مسلم. ومن المشاهد المؤثرة ذاك المصاب الذي أخرجوه من تحت الركام، فكان أول كلمة نطق بها أن قال: “الله أكبر”، فكبَّر المسعفون والناس من حوله.
– ومن الوقفات، ترسيخ الإيمان بقدرة الله وحكمته، فهو مالك الملك، وله الحكمة البالغة، ولا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه، وقعت رجفة في عهد عمر بن عبد العزيز فكتب إلى أهل البلدان: “إن هذه الرجفة شيء يعاتب الله به عباده، فمن استطاع أن يتصدق فليفعل، فإن الله يقول: ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ” الأعلى:14. ومن عجيب تقدير العزيز الحكيم امرأة تحت الركام تضع وليدها، ثم تُسلم روحها لبارئها؛ ليخرج المسعف الوليد صارخًا بحياته، وصدق الله تعالى: ” يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ” الأنعام: 95. أما من توفاه الله تعالى، فيُحتسب شهيدًا؛ كما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ” رواه البخاري ومسلم.
– ومن العبر والدروس ما شاهدناه من تسارع الناس للتطوع بأعمال الإغاثة ومواساة المنكوبين هناك، ومسارعة دول العالم لتقديم الدعم العاجل، لا سيما الجزائر التي دائما ما تكون سباقة في مساعدة الدول في مثل هذه الكوارث وذلك كما أوصى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” متفق عليه. نسأل الله تعالى أن يرفع ما نزل من البلاء عليهم، وأن يبدل أحوالهم من الضراء للسراء ومن الشدة للفرج، إنه سميع قريب.