إن المسلم مُطالَب بأن يأخذ بكلِّ الأسباب المشروعة التي لا تتعارض مع نصٍّ صحيح؛ قال أهل العلم: الأخذ بالأسباب عِبادة، والاعتماد عليها شِرك، ومن أخذ بالأسباب ولو كانت ضعيفة ثمَّ اعتمد على الله تعالى، فقد امتثَل. قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ” النساء: 71، وقال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ” محمد: 7. سُئِل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل جلَس في بيته أو في المسجد وقال: لا أعمل شيئًا حتى يأتيني رزقي؟! فقال: هذا رجل جَهل العلمَ، فقد قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الله جعَل رِزقي تحت ظِلِّ رمحي”، وقال: “لو توكَّلتم على الله حقَّ توكله، لرزقكم كما يَرزق الطير؛ تغدو خِماصًا، وتروح بِطانًا”، فذكر أنَّها تَغدو وتروح في طلَب الرزق، قال: وكان الصَّحابة يتَّجرون ويعملون في نخيلهم، والقدوة بهم. قال الفاروق عمر رضي الله عنه: “لا يَقعد أحدكم عن طلَب الرزق ويقول: اللهمَّ ارزقني، وقد علمتم أنَّ السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضَّة”.
وجاء في شرح العقيدة الطحاوية “قد يظن بعض الناس أن التوكُّل ينافي الاكتسابَ، وتعاطي الأسباب، وأنَّ الأمور إذا كانت مُقدَّرة فلا حاجة إلى الأسباب، وهذا فاسِد؛ فإنَّ الاكتساب منه فَرض، ومنه مُستحب، ومنه مُباح، ومنه مكروه، ومنه حرام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أفضَلَ المتوكلين؛ يَلبَس لَأْمَةَ الحرب، ويمشي في الأسواق للاكتساب”، وقال ابن القيم رحمه الله: فلا تتم حقيقة التوحيد إلَّا بمباشرة الأسباب التي نَصبها الله تعالى، وإنَّ تعطيلها يَقدح في نفس التوكُّل، وإنَّ تركها عَجزٌ ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبدَ في دينه ودنياه، ودفع ما يضرُّه في دينه ودنياه، ولا بدَّ مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلَّا كان مُعطِّلًا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلًا، ولا توكله عجزًا”. مرَّ الإمام الحسن البصري رحمه الله يوما على رجل يَلعب بالحصى بيده، ويدعو اللهَ أن يرزقه الحورَ العين، فقال له: “يا هذا، تدعو اللهَ الحور العين وتلعب كما تلعب المجانين؟”.
من موقع إسلام أون لاين