إن الإنسان ليغبط أشد الغبطة عندما يراه الآخرون وقد أصبح لديه عدد من الإخوة يؤازرونه ويقفون بجانبه عند الشدائد، وينصرونه إذا ظلم، وخاصة من حرموا الإخوة، أو لديهم إخوة لا خير فيهم، مفككين فيما بينهم ومشتتين كل في جهة، لا يهتم الواحد منهم إلا بنفسه، فهل هذه الأخوَّة التي يتمناها كل إنسان، أم أن هناك أخوَّة غيرها هي التي يبحث عنها ويشعر بالأمن والسعادة معها؟ وهنا يجيب الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا السؤال مبينًا لنا أن الأخوّة الحقيقية ليست أخوة النسب، وإنما هي أخوة الدين، فكم من أخ من النسب لا قيمة له، يتخلى عن أخيه وقت الشدائد، ويخذله عند المهمات، ويفقده عند الحاجة، بل ربما يكون مع عدو أخيه على أخيه، ويبيع أخيه بعرض من الدنيا.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة؛ متفق عليه. إذًا الأخوة الحقيقية هي أخوة الدين: المسلم أخو المسلم يعني في الدين، كما قال الله تبارك وتعالى: ” فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ” آل عمران: 103. وقال الله تعالى: ” فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ” الأحزاب: 5. وهذه الأخوة هي أوثق الأخوَّات، فهي أوثق من أخوَّة النسب، فإن أخوة النسب قد يتخلف مقتضاها، فيكون أخوك من النسب عدوًّا لك كارهًا لك، وذلك يكون في الدنيا وفي الآخرة؛ قال الله تعالى: ” الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ” الزخرف: 67.
إن في قضاء حاجات إخواننا في الدين ثوابًا لا يعلمه إلا الله، والله لو استشعر أحدنا النتائج المثمرة التي يحصل عليها في الدنيا والآخرة، لقضى وقته وحياته من أجل قضاء حاجات الناس، وفي خدمة الناس، ولشعر بسعادة لا يعلمها إلا الله، فإن من يعيش من أجل الناس، يعيش كبيرًا ويموت كبيرًا، ومن يعيش لنفسه فإنه يعيش صغيرًا ويموت صغيرًا، وكلنا قادرون أن نساعد ونخدم الآخرين، كلٌّ باستطاعته.