إذا كان المسلمون كالجسد الواحد، أو كالبنيان يشد بعضه بعضاً كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا من شأنه أن لا تكون بينهم فُرقة، ولا أن يسود بينهم الهجران، وفساد ذات البين، بل يجدر بهم أن يسود بينهم التواصل والتلاحم، ويتعمَّقَ بينهم الوئامُ والرفاء. إن أكثر ما تنشرح له صدور أعداء الإسلام والمسلمين، وتَقَرُّ به أعينهم، أن يكون المسلمون متقاطعين متدابرين، متهاجرين متخاصمين، وأن يقع بينهم فساد ذات البين، فيعقب ذلك وينتج عنه أن يصيروا شيعا وأحزاب، وتذهب ريحهم، فيضعفوا ويقوى عدوهم. من أجل هذا وغيره نهى الإسلام نهيا حاسما عن القطيعة بين المسلمين، وأمرهم أمراً جازما بإصلاح ذات بينهم.
قال تعالى ” فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ” الأنفال، ويأمر الله تعالى بالمبادرة إلى إزالة العداوة والقطيعة التي تقع بين طائفتين من المؤمنين لسبب أو لآخر، فيقول سبحانه: ” وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ” الحجرات: 9. وقال تعالى: ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ ” الحجرات: 10. وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال” رواه البخاري. وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا” رواه مسلم.
وعن أبي خراش السلمي، رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه” رواه أحمد. وعن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟” قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: “إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة” رواه أحمد. وعلى المسلم أن يسارع بإنهاء القطيعة بينه وبين أخيه، ويبادر بإفشاء السلام عليه، ويعمد إلى أسباب الهجر الذي وقع بينهما فيعمل على إزالتها، وله بهذا عظيم الأجر والمثوبة، وكان أخوه شريكا في الأجر إذا رد السلام، وإن امتنع فقد باء بالإثم.