صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في سياق رسالته الفكرية لإطْلاع قادة الرأي العرب والنخب الثقافية في العالم العربي على ما يُنتج في الغرب من مؤلفات حديثة ذات قيمة متجددة تخص قضاياهم الكبرى، كتاب “لا سلام لفلسطين – الحرب الطويلة ضد غزة، الاحتلال والمقاومة”، للعالمة السياسية الألمانية هلغى باومغرتن، الحائزة على شهادات عليا في التاريخ والعلوم السياسية وعلم الاجتماع والصحافة واللغات الإنجليزية واللاتينية والعربية، والتي عالجت في مؤلفاتها قضية فلسطين وصراع الشرق الأوسط والتحولات السياسية في المنطقة العربية، وكانت أطروحتها لنيل الدكتوراه في جامعة برلين الحرة حول نشوء الحركة الوطنية الفلسطينية وتطورها منذ عام 1948 حتى عامَي 1967-1968.
وقد صُدِّر كتابها موضوع البحث بهذه الجملة: “في ذكرى ضحايا الحروب الصهيونية على غزة – إلى أطفال غزة: من بيت حانون إلى رفح”.
درّست باومغرتن، بعد انتقالها للإقامة في القدس الشرقية مع زوجها الموسيقي الفلسطيني مصطفى الكرد، في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية، وترأّست معهد إبراهيم أبو الغد للدراسات الدولية.
وترجم “لا سلام لفلسطين” عن الألمانية محمد أبو زيد، وراجع النص عصام سليمان. يقع الكتاب في 248 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.
وتبدي المؤلّفة دهشتها ممّا يحدث في بلدها ألمانيا تجاه الحرب في غزة، فبدلًا من التعاطف مع شعب غزة الذبيح، يجري التشهير بالفنان الفلسطيني الغزّاوي محمد الحواجري واتهامه بـ “معاداة السامية”، ويُهان بـ “تقزز” ألماني متغطرس في وسائل الإعلام الحكومية، لأنه رسم صورًا للهجمات الجوية المدمرة للجيش الصهيوني وعنونها بـ “غرنيكا غزة” [غرنيكا مدينة إسبانية دُمّرت بقصف الطائرات الألمانية في 1937]، وحتى رسامَا الكاريكاتور ناجي العلي وبرهان كركوتلي حُوِّلا – في فضيحة مدوّية كما تقول المؤلفة – في ألمانيا أمثلةً على العداء الفلسطيني والعربي للسامية، ولولا قرار النيابة العامة في كاسل بعدم توافر اشتباه بجنحة تستدعي الملاحقة، فلربما جرَت ملاحقة هذين الفنانين الكبيرين.
وتقول باومغرتن [بتصرّف]: “كألمانية أقف مذهولة أمام الهجوم المتكرر والمخجل على الفلسطينيين المسلوبي الحرية والقابعين منذ عام 1967 تحت احتلال منافٍ للقانون الدولي، ونظام استعماري استيطاني، والمفروض عليهم العيش في ظل تمييز يَصدُق عليه بحسب توصيف جميع مؤسسات حقوق الإنسان الدولية المعترف بها أنه عنصري، وهو أمر فظيع لا يقع ضمن إدراك الطلائع السياسية والفكرية الألمانية، التي تحبّذ حتى عدم الحديث عنه، ومن يفعل فقد يفقد عمله، أو لا يحصل على وظيفة، أو يقع إخراسه بطريقة مبرمجة”.
وتدور فصول الكتاب حول استعراض تاريخي رائع وذي عبر لمسيرة الفلسطينيين نحو التحرر، بدءًا من التظاهرات وتصرفات قوات الأمن الصهيونية الوحشية تجاهها، إلى عمليات هدم بيوت المقاومين، أو سيطرة المتطرفين اليهود عليها، أو حتى تدمير قرى تدميرًا كاملًا، كقرية خربة حمصة البدوية في غور الأردن في 2021، أو حصارها بالمستوطنات، من دون أدنى نظر من السلطات الصهيونية إلى “اتفاقية جنيف” الرابعة، الملزِمة بحماية المدنيين في ظل الاحتلال وبعدم تدمير ممتلكاتهم.
ق\ث