المرأة الفنانة في أفغانستان:”استمري وستُقتَلين”

المرأة الفنانة في أفغانستان:”استمري وستُقتَلين”

تشكّل البورتريهات الذاتية التي تنجزها راده أكبر، بأسلوبها المستوحى من الفنانة المكسيكية الشهيرة فريدا كالو، وسيلة للتعبير عن الاستقلالية في مجتمعها الأفغاني المحافظ… لكن كفاح هذه المصورة والفنانة لإعلاء شأن النساء في بلادها يلاقي مخاطر جمة. فقد استهدفت الاغتيالات منذ سبتمبر الفائت أكثر من 180 شخصاً، بحسب وزارة الداخلية، بينهم قضاة وجامعيون وصحافيون ونشطاء وشباب مثقفون وخصوصاً نساء، أي باختصار أناس يشبهونها.

وتشدد الفنانة على أن “تاريخ المرأة الأفغانية لم يبدأ في عام 2001″، مع التدخل الأمريكي. وتضيف “لدينا ماضٍ طويل وغني ساهمت فيه النساء دائماً، بصفتهن ملكات أو مقاتلات”.

وتذكر تحديداً في هذا الإطار الملكة جوهر شاد التي حكمت في القرن الخامس عشر ونقلت عاصمة الإمبراطورية التيمورية من سمرقند إلى هرات في غرب أفغانستان.

تحرص راده أكبر منذ ثلاثة أعوام على أن توجّه كل سنة تحية إلى تلك النسوة في اليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس، من خلال معرض تجهيزي تقيمه في أحد القصور الملكية السابقة في كابول.

عام 2020، ألبست راده أكبر ثماني دمى عرض فساتين تذكّر بشخصيات نسائية بارزة، بينهن مثلاً مخرجة سينمائية ولاعبة كرة قدم، وفي إحدى زوايا القاعة عباءة متسخة من الشاش تحت وابل من الحجارة تخليداً لذكرى رخشانة التي رجمتها حركة “طالبان” بالحجارة بسبب هروبها من زواج قسري.

لكن الفنانة ارتأت تنظيم المعرض هذه السنة عبر الإنترنت، على موقع متحفها الافتراضي الذي يحمل اسم “ابارزانان” بالفارسية (أي “سوبر وومن” بالإنجليزية أو “نساء خارقات”)، بسبب التهديدات الصريحة التي تلقتها. وأمام مجموعة من الكراسي الفارغة المغطاة باللون الأبيض، تمثل الغائبين، تعدد راده أكبر أسماء الضحايا.

وتلاحظ أن حركة طالبان تنفذ عملية تطهير عشية الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية والغربية من أفغانستان. وتقول “هدف (طالبان) ليس قتلنا فحسب، إذ لا يوجد الكثير منا، بل إسكات الجميع”، معتبرة أن فحوى الرسالة هو “استمر وستُقتَل”.

وكمعظم أصدقائها، قللت راده من تحركاتها وأوقفت كل أنشطتها الروتينية الثابتة المواعيد، وتقول “علينا أن نبقى على قيد الحياة وإلا فما الفائدة”.

تعيش الفنانة بمفردها منذ عشر سنوات في شقتها، وهذا ليس شائعاً جداً في بلدها، وتحظى بدعم عائلتها. فوالدها الذي توفي كان كاتب مقالات صحافية، أما والدتها فمعلمة، وكانا دائماً يدعمان بناتهما الخمس، بينهنّ شقيقة راده شهرزاد التي تترأس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان.

وتذكّر بأن “النساء كنّ يتمتعن بقدر أكبر من الحرية في الماضي، لكن كل ذلك تغير مع وصول المجاهدين”، وهم أمراء الحرب الذين حاربوا السوفييت أولاً باسم الإسلام في ثمانينيات القرن العشرين قبل أن يتقاتلوا بدافع من مصالحهم ومصالح الدول التي ترعاهم، ومنها الولايات المتحدة. وتلاحظ أن “صورة النساء الأفغانيات الآن هي صورة نساء يضعن البرقع ويتعرضن للعنف باستمرار”.

لكن ما يثير غضبها قبل كل شيء هو الأجانب والدبلوماسيون والصحافيون الذين يسألونها هل تشعر بأنها “تعبّر حقاً عن المرأة الأفغانية”، وتعلّق على ذلك قائلة “إنه بمثابة عدم احترام وإهانة، كما لو أن قيمي وطريقة حياتي ليست ملائمة، وكما لو أنني لا أنتمي إلى هذا البلد”، وتقول “إنها طريقة للتعاطي معي على أساس أني عقبة في طريق عملية السلام”.

وتعترف راده بأنها “فقدت الأمل”. وتقول “لقد ولدت ونشأت في الحرب. منذ أن كنت طفلة، ناضلت دائماً من أجل حقوقي، كما علمنا والدي”.