المدينة المقدسة

  المدينة المقدسة

 

نلاحظ أن اسم ” بيت المقدس ” يطلق على المدينة المقدسة ” القدس الآن ” تارة بشكل عام، في إشارة إلى أن البقعة كلها مقدسة، وهذا تأكيد على الآية الكريمة ” الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ” الإسراء: 1؛ فلا يقتصر التشريف لبيت المقدس على حادثة الإسراء والمعراج فقط، ولا لكونها تحتضن في ربوعها المسجد الأقصى ومسجد الصخرة، بل يتخطاه إلى فضائل أخرى، مرت إشارات عديدة لها في القرآن الكريم. ففي تفسير قوله تعالى ” وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ” الأنبياء: 71. قال مقاتل بن سليمان: هي بيت المقدس. وقوله تعالى لبني إسرائيل ” وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ ” طه: 80. يعني بيت المقدس. وفي قوله تعالى ” وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ” المؤمنون: 50. فالأرض المقدسة هي بيت المقدس، وأيضا قوله تعالى “وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ ” يونس: 93. قيل بوأهم الشام، وبيت المقدس خاصة.

ورفع الله عيسى بن مريم عليه السلام من بيت المقدس، وفيها مهبطه قبل قيام الساعة. وأول شيء حسر عنه بعد الطوفان هو صخرة بيت المقدس، وفيه ينفخ الصور يوم القيامة، وعلى صخرته ينادي المنادي يوم القيامة، ومنها قوله تعالى ” يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ” المعارج: 43 وأيضا قوله تعالى: “يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ “. قيل إنه ينادي من صخرة بيت المقدس. وأقرب بقعة في الأرض إلى السماء بيت المقدس، ويمنع الدجال من دخولها، ويهلك يأجوج ومأجوج دونها، وأوصى آدم عليه السلام أن يدفن بها، وكذلك إسحاق وإبراهيم، وحُمِل يعقوب من أرض مصر حتى دفن بها، وأوصى يوسف عليه السلام حين مات بأرض مصر أن يحمل إليها، وهاجر إبراهيم عليه السلام من ” كوثي ” إليها، وإليها المحشر، ومنها المنشر. وقد تاب الله على داوود عليه السلام بها، وصدق إبراهيم الرؤيا بها، وكلّم عيسى الناس في المهد بها، وتقاد الجنة يوم القيامة إليها ومنها يتفرق الناس إلى الجنة أو إلى النار. وعن ابن عباس قال: البيت المقدس بنته الأنبياء وسكنته الأنبياء، ما فيه موضع شبر إلا وقد صلّى فيه نبي أو أقام فيه ملك.

يظهر لنا مما سبق أن بيت المقدس ليست بقعة عادية في الأرض، وإنما بقعة مقدسة، نالت تقديسها منذ قديم الزمان، ودلت الكثير من الكتابات التاريخية على ذلك، وهذا ما جعلها تحتل مكانة كبيرة، خاصة أن الكثير من الأنبياء والمرسلين والصالحين مروا بها وأقاموا فيها، والكثيرون سعوا إلى سكناها والرغبة في الدفن بها، فليست قداستها عائدة إلى وجود المسجد الأقصى بها فحسب، وقد حظيت المدينة المقدسة بإقامة العديد من الصحابة الكرام، وحرصوا هم أن يوصوا بأن يدفنوا في ثراها، ومنهم: عبادة بن الصامت، أبو ريحانة الأزدي، شداد بن أوس، مسعود الأنصاري، سلام بن قيس الحضري رضي الله عنهم جميعا. كما مر بها عدد كبير من كبار الصحابة منهم: عمر بن الخطاب، أبو عبيدة بن الجراح، عمرو بن العاص، خالد بن الوليد، معاوية بن أبي سفيان، عبد الرحمن بن عوف، بلال بن أبي رباح.