استعرض المحلل السياسي عمر رخيلة، لدى نزوله ضيفا على منتدى “الموعد اليومي” فترة القطيعة الدبلوماسية التي مرت بها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي بسبب العشرية السوداء، موضحا أن “انكفاء
الدبلوماسية الجزائرية على ذاتها كان مع نهاية الثمانينيات، ثم سجلنا غيابا لها في التسعينيات. وفي هذه الفترة استغلت هذه القارة من قبل قوى غير مؤهلة للعب هذا الدور، في مقدمتها المملكة المغربية الجارة”.
وتابع رخيلة بأن الرئيس بوتفليقة عند مجيئه كان مدركا لخطورة الوضع، وبما أنه رجل دبلوماسي ومارس الدبلوماسية في سن مبكرة، أدرك أيضا أن الانطلاقة تستلزم وجود حل للأوضاع الداخلية لأن استمرار الصراع والحرب الأهلية وصل إلى حد إما أن يكون هناك حل وطني لحل مشاكلك وإما يفرض عليك حل دولي وقرارات دولية ليس لك الخيار في قبولها أو رفضها “. وبالتالي فالجهود الأولى ساهمت في تحويل منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي لإعطائها بعدا آخر، تلاها تأسيس “نيباد” ثم مجلس السلم والأمن، فالوساطة الناجحة في إنهاء النزاع الحدودي بين إثيوبيا وإريتيريا.
المناورات المغربية أفشلها الاتحاد الإفريقي
ويرى ضيف “الموعد اليومي” أن الدبلوماسية الجزائرية استعادت قوتها وتأثيرها ولكن ليس كسابق عهدها، بفعل وجود تغيرات ولاعبين جدد وقوى أخرى تبلورت داخل إفريقيا وصار لها مجموعات تجمعها مصالح أو روابط إثنية.
وبخصوص نزوع المملكة المغربية إلى منافسة الجزائر في دورها المحوري، نبه رخيلة إلى أن الحديث عن الجزائر والمغرب يستدعي النظر إلى حلفاء الجزائر والمغرب من خارج إفريقيا لأن الخارج (أوروبا أمريكا والمنظمات الدولية) ما زال يؤثر على الداخل الإفريقي، وخير دليل على ذلك ما يحدث في الساحل وليبيا، مؤكدا أن منافسة المغرب للدور الجزائري في إفريقيا لا تحكمه فقط المعادلات المحلية أو المعطيات الجيوسياسية على مستوى المنطقة الإفريقية. وتابع يقول “إذا كان المغرب جعل من نفسه قاعدة أمامية للمصالح الأمريكية والأوروبية والفرنسية بالذات، حتى الإسبانية، فالجزائر ليست في مواجهة المغرب فقط”. ومع ذلك يرى المتحدث أنه على مستوى إفريقيا هناك وعي وقوى سياسية مدركة للمتغيرات الموجودة ولا أدل على ذلك من المناورات المغربية التي أفشلها الاتحاد الإفريقي، بل وارتفعت أصوات داخل الاتحاد الإفريقي تدعو المغرب إلى التقيد بالقانون الأساسي واحترام العضوية التي انخرط فيها.
وأوضح الخبير السياسي أن المملكة المغربية تعمل في إفريقيا على 3 محاور أولها سياسي يتمثل في العمل على إبعاد البوليزاريو من التمثيل، والثاني اقتصادي من خلال التوسط بين القوى الدولية الغربية والدول الفقيرة لاستغلال هذه الأخيرة عبر المساعدات، أما الثالث فهو روحي من خلال الزوايا والطرقية والتظاهر بالتسامح الديني.
الدبلوماسية الجزائرية لا تُرضي بعض الدوائر الصهيونية وحتى العربية
وعاد المتحدث ليشيد بثقل وصمود الدبلوماسية الجزائرية التي تمكنت من إجهاض الكثير من المؤامرات التي حيكت لها سواء في الملف الليبي أو الساحل أو الازمة الليبية واليمنية، من خلال محاولة استدراجها إلى مواجهات، حيث قال إن الدبلوماسية الجزائرية لا تُرضي بعض الدوائر الاسرائيلية وحتى العربية، ولن يغفر لها الوقوف ضد تجريد سوريا من مقعدها بالجامعة العربية وضد التدخل العسكري في اليمن، مضيفا أن الدبلوماسية الجزائرية لديها مبادئ وتمكنت من تكييفها وفق المعطيات المستجدة بناء على القاعدة الدبلوماسية التي تقضي بأن الثابت الوحيد في الدبلوماسية وعلم السياسة هو المتغير.
وفي المقابل نبه الخبير السياسي إلى أن العلاقات اليوم مبنية على الاقتصاد فضعف الجزائر اقتصاديا يؤثر على أدائها الدبلوماسي، لا سيما أن في كثير من الأحيان تقتضي الضرورة الانفاق وضخ أموال، كما أنه ينبغي على البعثات الدبلوماسية في إفريقيا والعالم مراجعة ديناميكية عملها بما يتجاوب ومبادئ الدبلوماسية الجزائرية كقوة إقليمية لا ينبغي أن تكون محل منافسة من دولة لا تملك إمكانيات. كما أشار إلى وجوب التحلي بالغيرة الوطنية لدى الدبلوماسي الجزائري.
المخزن دفع علال الفاسي لتصميم المخطط التوسعي على حساب جيرانه
لم يخف الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي عمر رخيلة، أن قناعته باحتمال أن تكون المؤسسة الملكية في المغرب هي من دفعت المناضل علال الفاسي لتصميم المخطط التوسعي للمخزن على حساب جيرانه، الذي تضمنته الخريطة التي نشرها في 1956.
وقال رخيلة في منتدى “الموعد اليومي” إن الخريطة التي نشرها علال الفاسي تنسجم مع إرادة إدارة المخزن، وهي امتداد للمبايعة التي تمت للسلطان، وحسبه هذا المخطط يتنافى مع وجود المملكة كعضو في منظمة الوحدة الإفريقية، وهو يعبر عن حلم توسعي أكدت الأحداث في النهاية عدم تاسيسه من الناحية القانونية والسياسية وطرحه لم يجد له صدى لا على الصعيد الإفريقي ولا العربي ولا الدولي ومات المخطط على الاوراق التي كتب عليها، وتابع موضحا “في تقديري التاريخي، فان علال الفاسي يكون قد دفع من طرف الأسرة الملكية حتى لا يكون موقفا للدولة المغربية، وكانوا مدركين أن هذا الموقف سيتم تسفيهه وبالتالي تسفيه علال الفاسي.
و يؤكد عمار رخيلة أن التفسير الذي يمكن إدراجه ايضا بخصوص انقلاب علال الفاسي على مبادئه النضالية في خريطة 1956، هو أن الفاسي كان سياسيا والحال أن الوضع في تونس والمغرب بختلف عن الوضع في الجزائر آنذاك، مستندا إلى مقولة المرحوم عبد الحميد مهري أنه في تونس والمغرب كان يكفي اطلاق طلقات نارية لتجلس فرنسا إلى طاولة المفاوضات، اما في الجزائر فكان الوضع أكثد تعقيدا” وبالتالي لم يشهد الفاسي التضحيات الجسام من أجل التحرر وحتى منطقة الريف الثائرة في العشرينيات لم يكن له نفوذ فيها.
فرنسا غيرت الخارطة الديمغرافية للجزائر بتفويق العنصر الأوروبي على الجزائريين
قال ضيف “الموعد اليومي” في حديثه عن الوجود الاستعماري الفرنسي بالجزائر، أن فرنسا قامت بكارثة في الجزائر بمحاولتها تغيير الخارطة الديمغرافية للبلاد بتفويق العنصر الأوروبي على الجزائريين.
و عرض رخيلة في ذلك مجموعة من المعطيات حيث قال إنه في 1830 سجلنا 3 إحصائيات لسكان الجزائر، هناك من يقول 8 ملايين نسمة، وهناك من يقول 6 ملايين وآخر 5 ملايين نسمة، فإذا افترضنا أنهم كانوا 5 ملايين نسمة، هل يعقل أنه في ظرف 40 سنة (بين 1830 و1870) بدلا من أن يرتفع العدد يتقلص إلى مليونين! ثم تابع “في ظرف 3 سنوات (1863 – 1864 – 1865) فقدت الجزائر مليونا من سكانها نتيجة سياسة التفقير والتهجير داخل وخارج البلاد، وبالتالي كان الهدف تصفية جسدية وإبادة جنس من أجل إحلال جنس آخر مكانه لكن مقابل هذا أظهر الجزائريون مقاومة ديمغرافية مكنتهم من الحفاظ على تفوقهم العددي.
حكيم مسعودي
مسعى الدبلوماسية الجزائرية بناء قارة إفريقية قوية خالية من الحروب
كشف الخبير في القانون الدولي الدكتور عمار رخيلة، أن الجزائر كانت تدرك جيدا أن فرنسا والقوى الاستعمارية الأخرى كالبرتغال وإنجلترا وبلجيكا، حتى وإن غادروا إفريقيا فقد تركوا أفخاخا وراءهم من خلال تشجيعهم للعنف المسلح في حل المشاكل البينية، وأيضا تشجيعهم للنزاعات الحدودية، ولهذا يلاحظ أن للجزائر إضافة إيجابية للمقاربات التي ينبغي أن تعتمد في إفريقيا فيما يخص إدارة الشؤون الإفريقية والعلاقات الثنائية والعلاقات داخل المجتمعات الإفريقية، وهذا من دون نسيان أن الثورة الجزائرية كانت على صلة بإفريقيا والأفارقة استفادوا من الثورة الجزائرية عند إقدام الوزير الأول الفرنسي “بيجون” في سنة 1960 على توقيع براءة استقلال تونس إلى جانب وثيقة استقلال 12 دولة إفريقية تحت ضغط الثورة الجزائرية. وأفصح نفس المتحدث أن ما بذلته الدبلوماسية الجزائرية في رسم أسس العلاقات الإفريقية في منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1963 هو ما كرس مبدأين، الأول الحفاظ على الحدود الموروثة عن الاستعمار حتى لا تكون بمثابة قنابل موقوتة، والثاني هو النزوع للحلول السلمية للنزاعات الثنائية والنزاعات المتعددة والتطلع نحو تمثيل إفريقيا على مستوى المجتمع الدولي وبالخصوص منظمة الأمم المتحدة، والعمل على مساعدة الحركات التحريرية التي ما زالت موجودة في إفريقيا.
الدبلوماسية الجزائرية جندت إفريقيا لصالح القضية الفلسطينية
الجزائر آمنت بأنه حان وقت شروق شمس إفريقيا ولابد أن يكون استقلالها والقضاء على الظاهرة الاستعمارية المادية التي كانت موجودة في إفريقيا والتي تعرضت لها إفريقيا، والعمل على كيفية تجنيد القارة الإفريقية لتقف مع القضايا الدولية. وأبدى الخبير في القانون الدولي افتخاره بزعامة الجزائر لاتجاه داخل حركة عدم الانحياز فيما يخص الحوار شمال – جنوب، وطرح مسألة نظام اقتصادي دولي جديد، وأيضا تمكنت الدبلوماسية الجزائرية من تجنيد إفريقيا لصالح القضية الفلسطينية خلال تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبفضل هذا التجنيد، يؤكد المتحدث ليومية الموعد، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة أكثر من لائحة لصالح القضية الفلسطينية وأشهر اللوائح قرار 242، زيادة إلى قضية الصحراء الغربية التي طرحت خلال القرن الماضي في السبعينيات، مستخلصا أن الجزائر كانت دائما وفية لمبادئها الدبلوماسية.
ذكاء الدبلوماسية الجزائرية أطفأ نار الفتنة داخل القارة الإفريقية
أكد الخبير في القانون الدولي الدكتور عمار رخيلة، أن الجزائر استطاعت أن ترقى دبلوماسيا وهذا رغم ما عرفته من ركود في السياسة الخارجية إبان العشرية السوداء، إلا أنه مؤخرا وبفضل جهود رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، إلى جانب شخصيات دبلوماسية جزائرية رفعوا التحدي بفرض الوجود القوي للجزائر في منطقة القارة الإفريقية وعلى المستوى العربي والمغاربي كذلك، واتجهت الجزائر إلى تعزيز تضامن إفريقي عربي في إطار يخدم قضايا التحرير في إفريقيا والوطن العربي وكذا حل النزعات بين الحركات في إفريقيا وعربيا. ولعبت الدبلوماسية الجزائرية دورا كبيرا في استقرار الأوضاع خلال النزاعات الداخلية في إفريقيا، رغم التدخل الأوروبي. ولكن بذكاء الدبلوماسية الجزائرية استطاعت الجزائر أن تطفئ نار الفتنة داخل القارة الإفريقية، كما تسعى إلى تأسيس هيئات جديدة لتوحيد القارة الإفريقية والمغرب العربي الكبير، وتقرير مصير شعب الصحراء الغربية في نيل استقلالها التام، إلى جانب أيضا تقرير مصير فلسطين على أن تصبح فلسطين دولة مستقلة وأن تتخلص من الكيان الصهيوني المستعمر، كون الجزائر تؤمن بتقرير مصير الشعوب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
زهير حطاب