في إطار تعزيز الوعي بأهمية المياه كعنصر أساسي للحياة وضرورة ترشيد استهلاكه احتضن المجلس الإسلامي الأعلى، الثلاثاء، ندوة تحسيسية تحت عنوان “دور المسلم في ترشيد استهلاك المياه.. بين القيم الدينية والسياسات الوطنية”، بالتعاون مع شركة المياه والتطهير “سيال”.
جرت الفعالية تحت شعار “نحو استدامة مائية وضمان أداء حضاري للشعائر الدينية”، وشهدت مداخلات عدة تناولت الأبعاد الشرعية، التقنية، الاقتصادية والاجتماعية لقضية المياه. افتتح السيد مبروك زيد الخير، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، الندوة مؤكدا على أن الماء يمثل إكسير الحياة وأساس بقاء جميع الكائنات، مستشهدا بآيات قرآنية تحث على إدراك عظمة الخالق من خلال هذه النعمة. وأوضح أن الشرع الإسلامي، قد عظم نعمة الماء واعتبرها من أهم الضروريات للحياة والعبادة، فالماء هو أساس الشرب، والوضوء، والاغتسال، وجزء لا يتجزأ من الطهارة الشرعية. كما أشار رئيس المجلس إلى تعاليم العلماء الذين حذروا من الإسراف في الماء، معتبرين إياه نوعا من الغلو، مستشهدا بأقوال الفقهاء الذين نصوا على وجوب الترشيد في استخدامه، خصوصا أثناء الوضوء. واختتم كلمته بالتأكيد على أن هذه الندوة تمثل فرصة هامة لتوحيد الجهود بين الجانب الديني والتقني لتحقيق استدامة مائية تخدم مصلحة الأمة والمجتمع. من جانبه ألقى الأمين العام لوزارة الموارد المائية كلمة نقل فيها تحيات معالي الوزير واعتذاره عن الحضور، مشيدا بالمبادرة التي عززها المجلس الإسلامي الأعلى. واستعرض التحديات التي تواجه الجزائر في مجال الموارد المائية، ومنها تأثير التغيرات المناخية والضغوط على الطبقات الجوفية التي تضطر الجهات المختصة إلى حفر آبار بعمق يتجاوز 400 متر. وأشار إلى أربعة محاور استراتيجية تبنتها الوزارة لتحقيق الأمن المائي، بدءا من تعبئة الموارد التقليدية عبر بناء السدود وتطويرها لتصل إلى 10 مليار متر مكعب بحلول 2030، مرورا بالتضامن المائي بين المناطق لتحقيق توزيع عادل، واستخدام الموارد غير التقليدية كالتحلية وإعادة استخدام المياه المعالجة، وصولا إلى الترشيد والحوكمة للحد من الفقد وتحسين جودة الشبكات. كما اختتم كلمته، بالتمني بالنجاح للندوة ودعوة جميع المشاركين لتقديم توصيات عملية تساهم في تنفيذ استراتيجية الوزارة بكفاءة. من جهته قدم ممثل شركة المياه والتطهير “سيال” السيد خالد محيز، عرضا مهنيا مفصلا حول واقع استهلاك المياه خلال فترة عيد الأضحى، حيث سجلت زيادة كبيرة في الاستهلاك غير الرشيد خصوصا في الساعات الثلاث الأولى بعد صلاة العيد، مسببا ضغطا على الشبكة ونقصا في توفير المياه في الطوابق العليا. وتطرق محيز إلى التحديات التي تواجهها شبكات الصرف الصحي بسبب رمي مخلفات الأضاحي فيها، مما يؤدي إلى انسدادات وروائح كريهة وتأثيرات بيئية سلبية، مشددا على ضرورة الالتزام بالممارسات الفضلى مثل استخدام الدلاء لجمع بقايا الأضاحي والتنسيق مع البلديات لضمان النظافة. وشدد على الدور الحيوي الذي يلعبه الخطاب الديني في توعية المواطن وتحفيزه على تبني سلوكيات حضارية في استهلاك الماء والحفاظ على البنية التحتية. من جهته أوضح ممثل جمعية حماية المستهلكين، السيد حسن منور، أن المياه هي المورد الأساسي لتحقيق الأمن والسيادة الغذائية، خاصة في ظل تحديات المناخ الجاف والنمو الديموغرافي المتزايد، ما يرفع الضغط على الموارد المائية التي تعاني من تراجع مستمر. وقد استعرض منور مشكلات الهدر في استهلاك المياه في المنازل وغياب ثقافة الترشيد، إضافة إلى تقادم البنية التحتية وتسربات المياه، داعيا إلى مراجعة أنماط الاستهلاك في القطاع الفلاحي الذي يستهلك 70% من الموارد، والانتقال إلى تقنيات حديثة تقلل الاستهلاك مثل صنابير ضغط الهواء ونظم ري التنقيط. كما أشار إلى ضرورة اعتماد حلول مبتكرة كجمع مياه الأمطار وإعادة استعمال المياه المعالجة، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتوزيع الموارد بكفاءة، مؤكدا أن المستقبل المائي للجزائر يتطلب تنسيقا فعالا بين الخبراء والجهات المعنية لتحقيق الأمن المائي. أما الدكتور كمال بوزيدي، فقد تناول بالدراسة والتحليل الأبعاد الشرعية للماء، مذكرا بأن الشريعة الإسلامية جعلت حفظ الماء من مقاصدها الأساسية، معززا ذلك بأحاديث نبوية تدل على أهمية إيجاد الماء والحفاظ عليه كعمل جاري للثواب. كما بين أن الإسراف في استخدام الماء مرفوض حتى في العبادات كالوضوء والاغتسال، مستشهدا بأحاديث نبوية تحث على الترشيد وتنهى عن تلويث الماء. وحذر من خطورة الإسراف الذي وصفه بأنه من الكبائر التي توعد الله مرتكبيها، مشيرا إلى أن ترشيد استهلاك الماء واجب ديني وعقلاني في آن واحد. وجاءت هذه الندوة لتؤكد، أن الماء في الجزائر ليس مجرد مورد طبيعي، بل هو مسؤولية دينية ووطنية واجتماعية تحتم على الجميع من مؤسسات حكومية، قطاع خاص، مجتمع مدني، ورجال دين إلى التكاتف للحفاظ عليه وترشيد استهلاكه، لضمان استدامته وحماية البيئة وصحة الإنسان، وتحقيق التنمية المستدامة في ظل التحديات المناخية المتزايدة.
محمد بوسلامة









