المجتمعات والنزعة الاستهلاكية

المجتمعات والنزعة الاستهلاكية

أهم قيمة رسختها الرأسمالية في الكثير من المجتمعات المعاصرة هي النزعة الاستهلاكية، لتُوصف العلاقة بين الرأسمالية والاستهلاك، بشخص يركب درجة إذا توقف عن تحريك قدميه لدفع الدراجة للحركة، فإنه سيسقط حتما على الأرض، ولذا فالاستهلاك هو المحرك الرئيسي للرأسمالية كنظام اقتصادي، والذي تسلل ليكون نهجا وسلوكا وقيمة، فالحياة تعني الاستهلاك من أجل الاستهلاك، لأن ذلك هو ما يحقق معنى الحياة، والطمأنينة لا تأتي إلا من الأرباح، والسعادة تنشأ من الاستهلاك المفرط، وقيمة الإنسان يُنظر إليها من خلال استهلاكه والعلامات التجارية التي تحملها ملابسه ومستلزماته الشخصية. هذا التطور  في المجال العام كان له تأثيره المباشر على الأسرة أفرادا وعلاقات، فتعاظم الاستهلاك وتحوله إلى مُحقق وحيد للسعادة، دفع الأبوين إلى مضاعفة أوقات عملهم، فخرج الأب والأم إلى سوق العمل، وتُرك الأطفال لدور الرعاية لتقوم بمهمة الأسرة، وأنشأ هذا التحول عقدة ذنب عند الأبوين، وكان علاجها هو إعطاء جرعات استهلاكية زائدة لأولادهم، ومنحهم جولات إضافية في مراكز التسوق، يشترون فيها ما يريدون وما لا يريدون، وما يشتهون وما تقع عليه أعينهم، وبات رضا الأبناء لا يتحقق إلا بهذا الاستهلاك المفرط، تلك الدائرة المفرغة، ومن ثم تحولت الرأسمالية إلى اخترق معرفي عميق في وجدان الأفراد وبنية الأسرة، وصارت الأسرة بيئة تشجع على الاستهلاك. أنتجت هذه الروح الاستهلاكية داخل الأسرة الكثير من الصراعات، فالاستهلاك لم يعد لإشباع الحاجات، ولكن عملا تتحقق من خلال ذات وهوية الفرد؛ بل ونرجسيته وتفاخره. وقد أدركت شركات الإنتاج الكبرى هذا التحول، ورأت أن الإعلان سيحول أفراد الأسرة إلى مستهلكين دائمين، لذا باتت الأسرة مستهدفة بالإعلانات، تشير دراسات أن الأطفال يشاهدون أكثر من 40 ألف إعلان تجاري على التلفزيون وحده سنويا، وأن الرغبة المحمومة في الشراء والاستهلاك تدفع الأسر كل عام لأن تعلن إفلاسها، بسبب لجوئها للاقتراض عبر باقات الائتمان، التي تغري بالانفاق والاقتراض.

 

موقع إسلام أون لاين