احتلت الثورة الجزائرية مكانتها السامية بين ثورات العصر الحديث، وبمثل ما كانت هذه الثورة جبارة، وعملاقه، كان دور المرأة فيها جبارا، وعملاقا. وللمرأة الجزائرية في نسيج الثورة ولحمتها قصة مثيرة لا بد من التعرض لها. لقد ران على جزائر المسلمين حين من الدهر، أحاق فيه بالعرب المسلمين بلاء لا يوصف، فقد استطاع الاستعمار الفرنسي تدمير المجتمع الجزائري بطرائق مبرمجة رهيبة، فتمزق هذا المجتمع أحزابا وشيعا، وانحرف من انحرف، واستسلم من استسلم، ويئس من يئس، إلا قلة عمر الإيمان قلوبها، وأنار الإسلام بصيرتها، فمضت مجاهدة تبشر بمولد الفجر الجديد للجزائر، وتعمل له. وكانت “قسنطينة” على وجه التحديد هي مقر الدعوة الجديدة، وكان “عبد الحميد بن باديس” وإخوانه العلماء هم طلائع التبشير بفجر اليوم الجديد – فجر الثورة الكبرى. تلك حقيقة باتت معروفة، ومسلم بها، لا تقبل الجدل أو النقاش. ولكن، وحتى من قبل أن تتفجر بواكير اليقظة، كانت هناك “الأم الجزائرية” متقوقعة في منزلها، منعزلة عن دنياها، تمارس دورها الرهيب بعيدا عن عيون الناس الباحثة عن الطريق القويم. لم يكن هناك “تنظيم” أو “اتحاد” يوجهها. لقد استخلصت كل الحقائق من خلال تحليلها السليم للأمور، تحليل القلب المؤمن والعين المبصرة. والتقت كل النساء، المنعزلات، المتقوقعات، على الهدف، من غير مشاورات تمهيدية، ولا مقررات تنفيذية. وأمكن لها بذلك بناء قاعدة الثورة في منزلها. فاتصلت قواعد المنازل، وتشكلت القاعدة الصلبة. من هذه القاعدة، أشرق الفجر الجديد في الفاتح من نوفمبر1954، عندئذ بدأ التحول، وانتقلت “الأم الجزائرية” من قاعدة عملها السرية – إذا صح التعبير – إلى ميدان الجهاد العلني، فمضت تؤجج الحماسة في النفوس، تدفع فتى العشيرة لحمل السلاح، وتودع الأب والابن والأخ وهي ترسلهم إلى ميادين القتال، ثم هي تحمل السلاح في معاقل الثوار، وتقوم بكل الأعمال الخطرة، وتقبل التضحية بمثل ما كانت عليه أختها المجاهدة في صدر الإسلام.
من كتاب – جهاد شعب الجزائر-