منذ أن احتل اليهود أرض فلسطين، فإن هذه المرحلة التي نحن فيها الآن هي من أصعب المراحل التي تمر بها الأرض المقدسة. لقد اتفق عليها العدو والصديق، والقريب والبعيد، والمجاور والمباعد، وهذه أول مرة يجتمع كل هؤلاء ليرسموا خارطةً خبيثة للقضاء على كل صور المقاومة هناك، وقطع جميع خطوط الإمداد للانتفاضة المباركة سواء المادي منها أو المعنوي. إن ما يعيشه الفلسطينيون هذه الأيام من أوضاع مأساوية، وما نكأته الأحداث الأخيرة من جراحات دموية، لا يسع الغيورين على أحوال أمتهم السكوتُ عليها، والتغاضي عنها، ولله الأمر من قبل ومن بعد. لم يُبرز التاريخ قضيةً تجلّت فيها ثوابتُنا الشرعية، وحقوقنا التاريخية، وأمجادنا الحضارية، كما برزت فيها الأحقاد الدولية، وظهرت فيها المتناقضات العالمية، وانكشف فيها حرب المصطلحات، وتعرّى فيها بريق الشعارات، وسقط القناع عن التلاعب فيها بالوثائق والقرارات كقضية المسلمين الأولى، قضية فلسطين المسلمة المجاهدة الصامدة. وتجلى ذلك في إقصاء قضية فلسطين والقدس والأقصى من دائرتها الشرعية، ومنظومتها الإسلامية، إلى متاهاتٍ ومستنقعات من الشعارات القومية والإقليمية، والنعرات الحزبية والطائفية، وذلك بترٌ لها عن قوّتها المحرِّكة، وطاقتها الدافعة المؤثرة، حتى تاهت القضية في دهاليز الشعارات، والتواء المسارات، وظلام المفاوضات، حتى خُيِّل لبعض المنهزمين أن القضية غامضة شائكة، لغياب التأصيل العقدي والشرعي لهذه القضية.
أو لسنا أمةً لها مصادرها الشرعية، وثوابتها العقدية، وحقوقها التاريخية؟. ماذا يؤكدّ قرآننا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم؟ ماذا تقرّر عقيدتنا؟ ماذا يدوِّن تاريخنا عن القضية وأطرافها؟ مما يؤكد بجلاء أن الصراع بيننا وبين اليهود صراع عقيدة وهوية ووجود، ألم نقرأ قول الحق تبارك وتعالى “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ” المائدة: 82. وقوله سبحانه “وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ” البقرة: 120. لقد ضرب هذا الشعب الفلسطيني المسلم أروعَ الأمثلة والبطولات، فمع عشرات الشهداء، وأضعاف ذلك من الجرحى، ومئات المعتقلين الأسرى، مع الحصار الشامل لكل المدن والقرى، مع المجازر التي تُقام في كل مكان، مع ذلك كلِّه يؤكِّد الشعبُ الفلسطيني المسلم أنه لا استسلامَ ولا ذلَّ ولا هوان، وأن الجهاد ماضٍ حتى النصر، قال الله تعالى “لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ” الحشر: 13. ما نسمعه وما نراه اليومَ فصلٌ من جهادٍ عظيم، وصبر طويل لهذا الشعب المرابط، لقد جاهد هذا العشب وصبر وصابر ورابط، وتقلَّب به البلاء، فما هدأ وما استكان، ولا أعطى الدنيةَ يوماً، ولله درُّ عمر رضي الله عنه حينما قال “لا تستصغروا هممَكم، فإني لم أر أقصر عن المكرمات من صغر الهمم”. يا حماة الأقصى اصبروا وصابروا ورابطوا، فإن نصر الله قريب، فكلما اشتدَّ الظلام قرُب بزوغُ الفجر “أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ” البقرة: 214.
من موقع الالوكة الإسلامي