أكد محمد المأمون القاسمي الحسني، عميد جامع الجزائر، على أهمية التكاتف بين دول الساحل الإفريقي لمواجهة التحديات التنموية والأمنية التي تعترض المنطقة، مشددا على أن الحلول يجب أن تكون نابعة من الداخل الإفريقي بعيدا عن أي تدخلات خارجية. جاء ذلك خلال مداخلته في ملتقى “رهانات التنمية والسلم في الساحل الإفريقي”، الذي شهد حضور نخبة من العلماء والمفكرين والمسؤولين من مختلف الدول الإفريقية.
إفريقيا.. من مهد الحضارات إلى ساحة الصراعات
في مستهل كلمته، أشار القاسمي الحسني إلى أن منطقة الساحل الإفريقي كانت مهدا للحضارات الإنسانية، وشهدت تلاقحا حضاريا استثنائيا بين الثقافة الإسلامية والتراث الإفريقي، مما جعلها نموذجا للتعايش والتقدم. لكنه أكد أن هذه الصورة، قد تشوهت بسبب الحقبة الاستعمارية، التي استنزفت ثروات المنطقة وعمقت معاناتها الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف أن دول الساحل اليوم، أمام فرصة تاريخية لاستعادة زمام المبادرة، من خلال بناء نموذج تنموي مستقل يعكس إرادة شعوبها، ويرتكز على الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، بعيدا عن التدخلات الأجنبية التي تهدف إلى إبقاء المنطقة في حالة ضعف وتبعية.
التعليم والبنية التحتية.. مفتاح التنمية المستدامة
وركز عميد جامع الجزائر في مداخلته على ضرورة إصلاح المنظومات التربوية والجامعية، معتبرا أن التعليم هو المدخل الأساسي لتحقيق التنمية المستدامة. وشدد على أهمية تحرير المناهج الدراسية من التأثيرات الاستعمارية وتعزيز التعليم الديني الوسطي، بما يضمن تحصين الشباب من التيارات الفكرية المتطرفة. كما دعا، إلى تعزيز البنية التحتية في الساحل الإفريقي، من خلال إنشاء شبكة حديثة من الطرق والسكك الحديدية والموانئ، تربط دول المنطقة ببعضها البعض، مما يسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي ورفع مستوى معيشة السكان. وأكد أن مثل هذه المشاريع ستساهم في الحد من الهجرة القسرية، وتدعم الاستقرار الاجتماعي عبر توفير فرص اقتصادية جديدة.
مكافحة التطرف عبر تعزيز المرجعية الدينية الموحدة..
وفي سياق متصل، شدد القاسمي الحسني، على أهمية العودة إلى المرجعية الدينية الموحدة، باعتبارها صمام أمان يحفظ وحدة المجتمعات الإفريقية. وقال إن التيارات التكفيرية والمتطرفة تتغذى على التأويلات الخاطئة للنصوص الدينية، مستغلة الفقر والجهل لزرع الفتن، مؤكدا أن التصدي لها يجب أن يكون فكريا وتعليميا قبل أن يكون أمنيًا.كما حذر من تنامي النزعات الطائفية في المنطقة، مؤكدًا أنها أداة لإضعاف الشعوب وزرع الفوضى، وأن محاربتها تستوجب تضافر جهود العلماء والمثقفين والمؤسسات الدينية.
الأمن الإقليمي مسؤولية مشتركة بين دول الساحل..
وعلى الصعيد الأمني، أوضح القاسمي الحسني، أن استقرار الساحل الإفريقي لا يمكن تحقيقه بمعزل عن التعاون الإقليمي، مشيرا إلى أن الأمن يجب أن يكون شاملا ومتكاملا، وليس مجرد إجراءات أمنية متفرقة. ودعا إلى تبني مقاربة أمنية قائمة على التعاون الاستخباراتي ومكافحة تهريب الأسلحة والبشر، إلى جانب معالجة الأسباب العميقة لعدم الاستقرار، مثل الفقر والتهميش وضعف المؤسسات.
دور جامع الجزائر في دعم إفريقيا..
وفي ختام كلمته، أكد القاسمي الحسني، أن جامع الجزائر مستعد للمساهمة في جهود التنمية والاستقرار في إفريقيا، من خلال استقبال طلبة العلم من دول الساحل، وتعزيز الحوار الفكري والثقافي بين شعوب المنطقة، فضلا عن دعم البحث العلمي في القضايا المتعلقة بالتنمية والتعايش السلمي.
وأشار إلى أن المركز الثقافي لجامع الجزائر سيكون فضاءً للحوار بين الحضارتين الإسلامية والإفريقية، مما يعزز الروابط التاريخية بين شعوب المنطقة، ويضع الأسس لتعاون مثمر ومستدام. واختتم مداخلته بالدعاء لنجاح الملتقى، مؤكدا أن تحقيق التنمية والسلم في الساحل الإفريقي هو مسؤولية جماعية تتطلب العمل المشترك وتوجيه السياسات نحو خدمة الشعوب بعيدا عن الحسابات الضيقة والمصالح الأجنبية.
محمد بوسلامة