وبعد انتهاء الليث من كلامه، فإذ بالعجوز يذهب إلى أقرب شجرة ويرطم رأسه في حيرة وغضب من أمر هذا الليث، بحيث أن العجوز قد فهم من كلامه بأنه ليس هناك ما يدعو للخوف، وهذا هو الخطأ بعينه في نظر العجوز.. وبعدها عاد العجوز إلى الليث وخاطبه قائلا: حسنا إذا لقد جئت من مكان بعيد وأنا أتفهم ذلك،
كما أني لا أعرفك ولا أعرف نسبك أو حتى اسم عائلتك وأنا أتفهم ذلك، ولكن أن تقول لي بأن الغابة الملعونة عادي وأنك لا تؤمن بالخرافات وما شابه، فهذا بالنسبة لي غير منطقي كذلك.
وفي هذه الأثناء قاطعه الليث قائلا: يا عم أنا أرجوك بأن تهدأ من شدة غضبك، حسنا بالنسبة لك الغابة ملعونة وكل من دخل إليها مات أو فقد، بالإضافة إلى أنك قلق عليّ من دون معرفة من أكون حتى،
وأنا متفهم لكل هذا ولكني الآن متعب ومنهك، كما أنني أتضور جوعا، فمن فضلك هلا قمت بإسدائي معروفا بأخذي إلى أقرب مكان من هنا لكي أستريح وأتناول طعام يسكت عصافير بطني،
فرد العجوز قائلا: حسنا لنرى بالنسبة للبيوت، فأنا لا أعرف أي واحد منها غير بيتي العزيز، ولكن ما باليد حيلة
هيا سوف آخذك إلى بيتي وستعد لنا بنتي بعض الطعام الشهي
ومن هنا أحس الليث بأن شمعة الأمل استرجعت لهبها، فارتاح لكلام العجوز قائلا: أنا موافق يا عم لننطلق
وبعدما استراح واستعاد نشاطه، أحس ببنت العجوز تصعد نحو غرفته التي منحها العجوز له إلى حين يقرر المغادرة.
ولما وصلت إلى باب الغرفة، طرقت الباب ثلاث مرات، فأذن لها الليث بالدخول، فدخلت محنية رأسها حياء وتقدمت بخجل قليل ثم نطقت بصوت هادئ: إن أبي يدعوك إلى النزول لتناول وجبة العشاء معنا لأنه جاهز،
وأضافت قائلة: وإذا كنت تخجل من مشاركتنا الطعام، فلا مانع من إحضاره إليك وتناوله في غرفتك، فرد عليها قائلا: هل هذا كل ما في الأمر.
فردت: نعم وفقط، فأجابها: أنا قادم إذا، فردت عليه: حسنا سوف أخبر أبي بأنك قادم، فقام الليث من فراشه وخرج من غرفته تاركا بابها مفتوحا ونزل من على الدرج دون إصدار ضجيج حتى وصل إلى المطبخ، حيث جلس مع العجوز وابنته لتناول الطعام، فلاحظ أنهما لم يشرعا في الأكل حتى الآن، كما أن الطعام مازال محافظا على دفئه، فتعجب منهما قائلا: “آه” لماذا لم تبدآ في الأكل بعد، فرد عليه العجوز: لأننا لا نترك ضيوفنا ونأكل بمفردنا، فهذه عاداتنا، أليس كذلك يا بنتي
فأجابت قائلة: نعم إنك على صواب يا أبي.
وفي هذه اللحظة أحس الليث بإحساس ممزوج بين الخجل والسرور وذلك لأن أحدا لم يعامله هكذا من قبل باستثناء أمه العزيزة عليه، فأحس بدموع قادمة لتسقط من عينيه كالمطر فنطق قائلا: يا عم من فضلك أين الحمام، فأجابه: إنه على يمينك يا بني هل تريدني أن أرافقك إليه، فرد عليه: نعم فأنا مستعجل.
تأليف: الكاتب والشاعر أحمد قروط/ ولاية سكيكدة
